نائم ، أي غافل عن الحضور الإلهي ، ولهذا فهو في هم وغم ، فإذا جاء الكشف انتبه القلب ، ووعى الحضور ، فحدثت الراحة أي الأمنة ، والكشف خصه الله بطائفة دون أخرى ، فله الاصطفاء مما خلق ، قال سبحانه في السابقين المفردين إنهم ثلة من الأولين وقليل من الآخرين.
أما الذين أهمتهم أنفسهم فهم الذين استسلموا لخواطر السوء ، وأكثر الخواطر وسوسة وحجب عن الله ، والظن بالله غير الحق عدم التسليم بأن الفعل لله كما جاء في الآية : (قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ ،) فسواء أكان الإنسان بعيدا ، أو قريبا ، محجوبا أو مكاشفا ، فقلبه في قبضة ربه.
والقتل الذي خاف البعض منه يدخل في دائرة الفعل الإلهي أيضا ، ومن هذا الإيمان توكل المؤمن على ربه ، وآمن به خالقا مريدا فعالا لما يريد ، لا راد لمشيئته ، فالقتل وإن كان بحاجة إلى آلات وجوارح وزمان ومكان ، إلا أنه داخل في نطاق الإرادة الإلهية أولا وهو يقع بالفعل الإلهي ثانيا ، ووقوعه داخل في مجال القضاء والقدر ، قال سبحانه : (وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلكِنَّ اللهَ رَمى) [الأنفال : ١٧] ، فما كل من غشي الوغى قتل ، وما كل من فر أو تقاعد أو تخلف نجا ، وأضافت الآية مؤكدة أن الموت يبرز حتى وإن كان الإنسان في مضجعه.
والقتال ابتلاء وتمييز ، وهدفه إظهار قوى الأسماء ، ومنها اسمه القوي واسمه المؤمن ، فمن سلم أمره إلى الله أوتي حظه من قوى الاسمين ، وكل اسم لا يفض خاتمه على الحقيقة إلا القتال الذي كتب على المؤمنين.
وقوله : (وَاللهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ) يعني أنه حتى العلم بنتائج القتال داخل في مجال العلم الإلهي ، لأنه سبحانه يعلم حيث يجعل اسمه ، فإذا جعل عبدا ممثل اسمه القوي فلا يكون المظهر مخالفا للاسم حكما.
١٥٥ ـ (إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطانُ بِبَعْضِ ما كَسَبُوا وَلَقَدْ عَفَا اللهُ عَنْهُمْ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ (١٥٥))
[آل عمران : ١٥٥]
تتحدث الآية عن عودة إلى تأثير الشيطان الذي هو الاسم البعيد ، والذي هو الوسوسة ، وما يريده الشيطان هو أن يسدل الستار بين العبد والرب ، فيبقى العبد وحده دون تأييد من الأسماء الأخرى والخواطر الإيجابية.
وقوله : (وَلَقَدْ عَفَا اللهُ عَنْهُمْ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ) يعني صيرورة نتائج مدافعة الأسماء بعضها بعضا إليه ، حتى وإن ذهب الاسم البعيد بعيدا فشطن صاحبه ، لأن الغاية من الإبعاد التقريب ، ولئن حجب العيان ، بعين العبد فهو في الوقت نفسه في أحضان الألوهية لأن الله من وراء كل شيء محيط ، وهو الإلهام والنجوى.