١٥٦ ـ (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ كَفَرُوا وَقالُوا لِإِخْوانِهِمْ إِذا ضَرَبُوا فِي الْأَرْضِ أَوْ كانُوا غُزًّى لَوْ كانُوا عِنْدَنا ما ماتُوا وَما قُتِلُوا لِيَجْعَلَ اللهُ ذلِكَ حَسْرَةً فِي قُلُوبِهِمْ وَاللهُ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (١٥٦))
[آل عمران : ١٥٦]
الله هو المحيي المميت ، ذلك لأن الجسم منفعل حي بقوى نورانية إلهية ، وخروج الروح من الجسم هو فعل إلهي أيضا ، ولهذا كانت قضية الحياة والموت أبعد فلكا من أن تفسر بالسبب والأسباب كالقتال وما يقع فيه من قتل وأذى وحركة الجسم كله على المستوى الكلي هي حركة إلهية أيضا ، ومن هذه النظرة الشمولية يكون الله هو الفاعل الحقيقي في كل من الضارب والمضروب ، ولهذا كان الله هو المميت ، إذ يميت الضارب باعتباره ضاربا ، وكان المحيي إذا شاء الإحياء ، فكم من سبب للقتل والإماتة لم يؤد إلى ذلك ، وهذا مشاهد في عالم العيان.
١٥٧ ، ١٥٨ ـ (وَلَئِنْ قُتِلْتُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ أَوْ مُتُّمْ لَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللهِ وَرَحْمَةٌ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ (١٥٧) وَلَئِنْ مُتُّمْ أَوْ قُتِلْتُمْ لَإِلَى اللهِ تُحْشَرُونَ (١٥٨))
[آل عمران : ١٥٧ ، ١٥٨]
قرن القتل في سبيل الله بحدوث الرحمة والمغفرة ، وذلك لأن القلب يكون محجوبا عند النفخ باسم من الأسماء ، فكل اسم حجاب ، وعند القتل تنحل عقدة الاسم من حول عنق النفس الجزئية فتدخل في ملكوت النفس الكلية فتقع المغفرة وتقع الرحمة ، فالرحمة دخول القلب عالم الروح المجرد ، والمغفرة رفع حجاب الاسم نفسه فيدخل صاحبه في الصالحين.
١٥٩ ـ (فَبِما رَحْمَةٍ مِنَ اللهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ (١٥٩))
[آل عمران : ١٥٩]
الرحمة مخاطبة من الاسم الجامع وتكليم ، ومنح النبي هذه الدرجة الرفيعة فصار مظهر الأسماء كلها ، وهذه هي الرحمة الناطقة كما وصف تعالى نبيه قائلا : (وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ) [الأنبياء : ١٠٧].
أما الفظاظة وغلاظة القلب فهي مخاطبة الناس من إلهام الأسماء السلبية ، وهذه الأسماء ما خلقت أصلا إلا لفلق الجانب الآخر من الأسماء ، وفي مجال الدعوة النبوية يكون رد الفعل سلبيا يؤذي الدعوة كمن يثور على حاكم قاس حديد اللسان ليضع حدا للقسوة.
والعفو نتيجة اطلاع النبي عليهالسلام على سر الضدين ، فوجب العفو ، وعمت المغفرة ، فالعفو ضرورة.
والمشاورة داخلة في نظاق الأسماء ، ولهذا فهي داخلة في نطاق المشيئة الإلهية التي لا