تخرج مشيئة عليها ، فإذا شاور النبي أصحابه فكأنه شاور الله ، لأن الخلق ألسنة الحق ، ولأن اللسان ينطق عن الاسم ، ودائرة الخلق كلها ما وجدت إلا للمشاورة ، لأن الأسماء من دون المشاورة تبقى معطلة غير قادرة على ممارسة قواها.
والعزم والتوكل بت الأمر عند اتخاذ القرار ، وهو أيضا مشيئة إلهية ، فالحق بعد الاطلاع على آراء الخلق يختار الأفضل لهم والأحكم بعد التفتيق والتفليق.
١٦٠ ـ (إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللهُ فَلا غالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (١٦٠))
[آل عمران : ١٦٠]
النصر والخذلان من الله باعتبار دوران الدائرة ، فإن كان النصر فجانب الأسماء الإيجابية هو المنتصر ، وإلا كان العكس ، وكلتا النتيجتين في قبضة الجبار صاحب الأسماء عزوجل ، ولهذا كان مقام التوكل من مقامات الصوفية ، وهو المدخل إلى الإحسان ، وملخصه أن يفكر الإنسان ويشاور ، ويقرر ، ويفعل ، ثم يتقبل النتيجة كائنة ما كانت ، خيرا أو شرا ، لأن الأمر لله من قبل ومن بعد.
١٦١ ـ (وَما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِما غَلَّ يَوْمَ الْقِيامَةِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ ما كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ (١٦١))
[آل عمران : ١٦١]
الغل الظلم في الغنيمة وبخس الله والناس حقهم في الغنائم ، والنبي عليهالسلام باعتباره ممثل اسم الله الأعظم يعطي كل ذي حق حقه ، وذلك طبقا لمتطلبات الأسماء وحقها مما تغنمه من المحسوسات ، فلكل اسم حظه من الحس ليمارس دوره ، ومن دون هذا المحسوس ، أو بظلم الاسم حقه من الحس ينتقص وقد يلغى دوره ، ولو أن النبي غل لظلم الأسماء ، ولظلم بالتالي الناس ، إذ أن العبد يطلب ما يقتضيه اسمه ، وهذا حقه في الوجود ، ولهذا جاء في الآية أن النفس توفى ما كسبت ، فالاسم في الحضرة مكشوف بما له وما عليه ، فلئن ظلم من قبل اسم آخر بدت سوأة الفعل.
وقوله سبحانه : (وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِما غَلَّ يَوْمَ الْقِيامَةِ) فيه لطيفة ، فالآية بدأت بالحديث عن النبي ، ثم عممت بالقول : (ومن يأت) فالنتيجة المستخلصة إنه ما كان لنبي أن يغل ، إذ لا يمكن أن يكون ممثل الاسم الأعظم ظالما لاسم من الأسماء أو للأسماء كلها ، وكونه ممثل الاسم الأعظم يقتضي حكما اتصافه بكل أسماء الصفات ، وإلا لما كان وصل إلى مرتبته التي وصف الله النبي صلىاللهعليهوسلم فيها قائلا : (وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ (٤)) [القلم : ٤] ، فالنبي لهذا محفوظ منذ الأزل ومصون بهذه الأخلاق الإلهية الضرورية لنجاح الدعوة إلى التوحيد.