النفس الكلية ، فماذا يفيدها العلم بعد الفناء؟ إنما الفائدة للنفس التي مازالت في مسرح الوجود ، تمارس فيه قواها ، وتظل تعرج في سماء المعارج حتى تدخل جنة العارفين.
١٩ ـ (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّساءَ كَرْهاً وَلا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ ما آتَيْتُمُوهُنَّ إِلاَّ أَنْ يَأْتِينَ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَعاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً (١٩))
[النساء : ١٩]
الخطاب موجه إلى أصحاب القلوب الذين يسطون على ممتلكات النفس بغير حق ، والله ما استودع النفس علومها إلا لتورث هذه العلوم برضى النفس الذي يكون هنا رضا إلهيا ما دامت النفس صورة الرحمن ومرآته.
وقوله : (فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً) داخل في باب جهاد النفس ومدافعتها كما قال سبحانه في موضع آخر : (وَلَوْ لا دَفْعُ اللهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ) [البقرة : ٢٥١] ، والكره وارد لأنه نتيجة الشقاق الحاصل بين القلب والنفس ، وما الجهاد الأكبر إلا جهاد النفس الذي تحدث عنه النبي صلىاللهعليهوسلم ، والذي حصاده كره النفس الأمارة وغوائلها ووسوستها ومد العينين إلى الشهوات والثروات ، والله سبحانه ، مع أنه هو الذي دعا إلى جهاد النفس ، أوصى بمعاملتها خيرا ، ومعاشرتها بالمعروف ، وسر ذلك أن خالق النفس خلقها من التضاد والتناقض خصيصا لتعليم القلب ، ولهذا كان ظاهر الأمر شرا وباطنه خيرا ، وأما الظاهر فالعذاب والعناء الحاصلان من المجاهدة ، وأما الباطن فهو خلق المعقولات من التضاد وتحصيل ما لدى حصالة الأسماء الحسنى من نسب شريفة يتزين بها المجاهد بعد جهاده.
٢٠ ـ (وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدالَ زَوْجٍ مَكانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْداهُنَّ قِنْطاراً فَلا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئاً أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتاناً وَإِثْماً مُبِيناً (٢٠))
[النساء : ٢٠]
استبدال زوج مكان زوج استبدال اسم باسم ، والأسماء كلها لله سواء أكانت إيجابية أو سلبية ، ويقع الاستبدال حين يحتمي القلب من اسم باسم ، وهذا ضروري لحدوث الجهاد ، ولكن بعد الجهاد هناك السّلام الذي فاز به إبراهيم عليهالسلام حين أنهى فترة مكثه في النار كما قال سبحانه : (وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وارِدُها كانَ عَلى رَبِّكَ حَتْماً مَقْضِيًّا) [مريم : ٧١] فصارت النار من ثم بردا وسلاما عليه ، فالله ما خلق شيئا للضرر ، وإن كان ظاهر الأمر الضرر ، ولهذا جاء في الآية : (وَآتَيْتُمْ إِحْداهُنَّ قِنْطاراً فَلا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئاً ،) أي لا تظلموا أي اسم حقه من الوجود ، لأن لكل اسم دوره ، مثل كون الاسم الضار سببا لجلب المنفعة من جهة ثانية ، ومثل كون الاسم القابض حافزا على حصول الاسم الباسط.