وَالنَّطِيحَةُ وَما أَكَلَ السَّبُعُ إِلاَّ ما ذَكَّيْتُمْ وَما ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلامِ ذلِكُمْ فِسْقٌ الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ فَلا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجانِفٍ لِإِثْمٍ فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٣))
[المائدة : ٣]
الميتة رمز إلى ما سقط من العلوم بعد المكاشفة ، أي يخص ما حصله الفكر بقواه وآلته ، ويتبع الميتة الدم الذي هو النفس الحيوانية التي هي الوجه الباطن للفكر ، وهي بمثابة أمّه ، ولحم الخنزير الأنا المشطورة من الأنا الكلية ولها فرعان الشهوة والغضب ، فلا أنا للسالك الواصل المكاشف بالهوية الأصلية الوجودية ، أما المنخنقة والموقوذة والمتردية والنطيحة فهي مثل أحوال للنفس في عروجها من أناها إلى الأنا الكلية ، وهو ما يسمى في مصطلح القوم الفناء ، فالأنا في صراعها الانشطار تنتهي إلى الموت المعنوي وفيه يكشف للقلب عن أن أناه لله وليست له ، وأكد هذا قول الآية : (وَما أَكَلَ السَّبُعُ) والسبع الفاعل وهو الرأس ، وفي الرأس الفكر وآلته ، وقول الآية أيضا : (وَما ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ) والنصب أصنام مظاهر الصفات ، وقول الآية : (وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلامِ) جمع زلم بفتح الزاي ، وهو قدح صغير لا ريش له ولا نصل ، وكانت سبعة عند سادن الكعبة ... والسبعة إشارة إلى الصفات الإلهية السبع كالحياة والعلم والقدرة والإرادة والسمع والبصر والكلام ، أو القوى الإلهية وهي سبع أيضا وهي الحواس الباطنة بالإضافة إلى الفكر والحدس ، فهذه كلها محرمة على المسلمين الذين أسلموا وجوههم لله ، والوجه الحقيقة ، والحقيقة الاسم الظاهر للحق ، إذ الفعل له والصفات والقوى والإمكانات.
٤ ـ (يَسْئَلُونَكَ ما ذا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّباتُ وَما عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللهُ فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ وَاذْكُرُوا اسْمَ اللهِ عَلَيْهِ وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ سَرِيعُ الْحِسابِ (٤))
[المائدة : ٤]
الطيبات الفتح وما يقدم فيه من علوم إلهية ، والجوارح الحواس الظاهرة كالسمع والبصر واللمس والذوق ، وقوله تعلموهن له لطيفة ، فكما ذكر الفيلسوف كانط هناك أفكار قبلية ، أي أن المعقولات ، وإن تفتقت بالتجريد ، إلا أن الإلهام والنجوى يقدمان أصولها الفطرية عند الاستعانة بالحواس الظاهرة.
فمشاهدة منظر جميل يوحي بالجمال ، ولكن الشعور بالنشوة والغبطة وبأن جمال الطبيعة هو جمال إلهي ظاهر ، هذا الشعور مع ما يتبعه من وعي وإدراك هو بمثابة تعليم الجوارح من الطيور أن تفعل كذا وكذا ... إذ الأصل أن يدل الجمال الظاهر على الجمال الباطن ، وكما قال