بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ ما يُرِيدُ اللهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (٦))
[المائدة : ٦]
الصلاة كما قدمنا الصلة بين العبد وربه ، والصلة حقية يقتضيها الوجوب للإمكان ولهذا سميت صلاة ، وهذه الصلة الحقية أشير إليها بغسل الوجه واليدين ومسح الرأس والرجلين ، فالوجه حقيقة الشيء أو جوهره ، وجوهر الإنسان الله ، واليد إشارة إلى القدرة التي هي إحدى الصفات الإلهية فهي للإنسان بحكم العارية ، والرأس بيت العقل والفكر وخزانة الحواس الباطنة فهو مستودع إلهي لإخراج القوى ، والرجل إشارة إلى المراوحة بين الأنا والهو في الفكر الإنساني ، إذ المعروف أن ثمة حوارا ذاتيا ديالكتيا يجري في الفكر ، وهذا الحوار وتناقضه هو ما أشير إليه بالرجلين الحاملتين للإنسان ، إذ الفكر حامل الإنسان باعتباره القائد والمسير ، وثمة تأويل آخر للأرجل لدى الصوفية كما عند ابن عربي وعبد الكريم الجيلي ، فالإنسان هيكل يضم القديم والمحدث ، الأزلي والفاني ، الباطن والظاهر ، والمعقول والمحسوس ، اللطيف والكثيف ، فهو جسر بين الأرض والسماء ، والغسل والمسح الواردان في الآية إشارة إلى ضرورة انخلاع المسلم مما ليس له بل لله ، إذ لا يجوز السطو على ممتلكات الله المودعة لدى الإنسان.
والمرض والسفر وإتيان الغائط وملامسة النساء إشارة إلى غشيان القلب عالم المادة والعناصر ، والغائط إشارة إلى عالم الفساد ، لأن كل ما في عالم العيان مؤلف من التركيب والتحلل أولا ، ولأنه حجاب عن الحقيقة كما أشير في إتيان النساء ، إذ المرأة هي الوجه القابل للفاعل الروحي ، والتيمم إشارة إلى الشريعة الموصلة إلى الحقيقة ، لأن التيمم يكون عند ما لا يكون ثمة ماء ، والماء هو التطهر الكامل ، فالتيمم إشارة إلى الطهارة ، والشريعة إلى الحقيقة كما توضع الإشارات في الطرقات لتدل على الجهة الواجب على المسافر اتباعها.
٧ ـ (وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ وَمِيثاقَهُ الَّذِي واثَقَكُمْ بِهِ إِذْ قُلْتُمْ سَمِعْنا وَأَطَعْنا وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ (٧))
[المائدة : ٧]
الميثاق ما واثق الله عباده به في الأزل الخلقي ، أي مذ كانوا ذرا في أصلاب آبائهم أو في عالم الذر ، وقولهم : (سَمِعْنا وَأَطَعْنا) هو من باب الخضوع الحتمي من قبل عالم الإمكان لعالم الوجوب ، فكيف يستطيع العبد أن يخرج على سيده ومولاه وهو عبد مملوك؟
وقوله : (إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ) هو مثل قوله تعالى : (السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) [الإسراء : ١] لأن الله في العين ، وهو خفاء الذات أو روحها ، أو إنسان العين فلا يعزب عنه سبحانه علم