شيء ما دام هو في كل شيء ، والصدور ذاته إشارة إلى الصدور الإمكاني من أرض الوجوب ، وهو صدور دائم مشع لا يتوقف ، ولو توقف لكف العالم عن الانوجاد ، إذ لا وجود حقا إلا للحي القيوم.
٨ ، ١٠ ـ (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَداءَ بِالْقِسْطِ وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلى أَلاَّ تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوى وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ (٨) وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ (٩) وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنا أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَحِيمِ (١٠))
[المائدة : ٨ ، ١٠]
الشهادة الكشف الذي يرى فيه القلب فيه رأي البصيرة أن كل ما في الوجود قائم بالقسط ، إذ الأصل القسط في أن تكون كفتا الميزان الكوني متعادلتين ، في الواحدة أسماء الجمال ، وفي الأخرى أسماء القهر والجلال ، وهذه المشاهدة تقتضي العدل ، إذ الأسماء كلها لله ، فإذا بدا من قوم شنآن ، والشنآن البغض ، كان على المشاهد ألا ينسى أن البغض توأم الحب ، وأن البغض أصله نفي الحب والتمسك بالأنا المشطورة ، فالبغض حجاب ، ويكفي المبغض أنه محجوب ، وعلى المشاهد أن يعامله بالعدل ، والعدل أساس الملك ، وأساس الميزان ، وهو وحده الذي هدى القلوب وألانها بفضل إنسانيته الجامعة وعالميته التي تتجاوز كل حدود ، ولقد عرف الإسلام بإنسانيته وعالميته ووقوفه في وجه التعصب والأهواء الشخصية.
١١ ـ (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَنْ يَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ فَكَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَاتَّقُوا اللهَ وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (١١))
[المائدة : ١١]
بسط الأيدي وكفها من فعل الله عزوجل ، والفعلان داخلان في مجال القدرة الإلهية ، ولهذا قال سبحانه مخاطبا الرسول في موضع آخر : (وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلكِنَّ اللهَ رَمى) [الأنفال : ١٧] ، وبسط الأيدي حافز قلبي ، والله القاهر فوق قلوب العباد ، وهدف البسط التحريك ، إذ لا جهاد إلا بالتضاد ، وكف الأيدي هو أيضا حافز قلبي ، والحافز مبدأ الفعل وأصله وسببه ، ولهذا قال الحق في موضع آخر : (فَأَمَّا مَنْ أَعْطى وَاتَّقى (٥) وَصَدَّقَ بِالْحُسْنى (٦) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرى (٧) وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنى (٨) وَكَذَّبَ بِالْحُسْنى (٩) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرى) [الليل : ٥ ، ١٠] ، وواضح أن التيسير داخل في مجال الخواطر والدواعي القلبية فهو المضل الهادي.
١٢ ـ (وَلَقَدْ أَخَذَ اللهُ مِيثاقَ بَنِي إِسْرائِيلَ وَبَعَثْنا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيباً وَقالَ اللهُ إِنِّي مَعَكُمْ لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلاةَ وَآتَيْتُمُ الزَّكاةَ وَآمَنْتُمْ بِرُسُلِي وَعَزَّرْتُمُوهُمْ وَأَقْرَضْتُمُ اللهَ قَرْضاً حَسَناً لَأُكَفِّرَنَّ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ وَلَأُدْخِلَنَّكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ فَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذلِكَ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَواءَ السَّبِيلِ (١٢))
[المائدة : ١٢]