الإثنا عشر نقيبا على مستوى الكليات والجمع إشارة إلى الحواس الباطنة والظاهرة العشر مع الفكر والحدس ، فالحواس بمثابة النقباء ، والنقيب كفيل قومه ، مخلص لهم ، يعمل من أجل مصلحتهم ، فالحواس جند الله لخدمة الإنسان ، وكذلك الفكر إن لم يضل ، والحدس الذي هو الإلهام ، ولهذا تبع ذلك القول : (وَقالَ اللهُ إِنِّي مَعَكُمْ) أي أن الله مع هذه الحواس القوى ، وبها تتم مشيئته ويتحقق إرادته ، أما المطلوب فهو كما قالت الآية لئن أقمتم الصلاة ، وقد سبق تأويل الصلاة ، (وَآتَيْتُمُ الزَّكاةَ) أي أخرجتم زكاة علومكم المحصلة عن طريق الحواس والفكر ، (وَآمَنْتُمْ بِرُسُلِي) أي بالخواطر باطنا والأنبياء ظاهرا ، (وَأَقْرَضْتُمُ اللهَ قَرْضاً حَسَناً) أي أعطيتموه مما لديكم من أجل إتمام التوحيد ... فالنتيجة (لَأُكَفِّرَنَّ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ) أي سيئات الظهور ودعوى ملكية الأنية ، ولأدخلنكم جنات تجري من تحتها الأنهار أي جنات العلوم الإلهية حيث تتفجر عيون تلك العلوم وأنهارها.
١٣ ـ (فَبِما نَقْضِهِمْ مِيثاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنا قُلُوبَهُمْ قاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَواضِعِهِ وَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ وَلا تَزالُ تَطَّلِعُ عَلى خائِنَةٍ مِنْهُمْ إِلاَّ قَلِيلاً مِنْهُمْ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (١٣))
[المائدة : ١٣]
الحديث موجه إلى أهل الظاهر ، ومنهم بني إسرائيل الذين حرفوا التوراة وقد ذكرنا من قبل أن اكتشافات إيبلا أثبتت أن الناس كان يعبدون إلها واحدا هو إله إبراهيم ومن قبله نوح ، في حين برزت التوراة ـ العهد القديم كوثيقة تثبت أن أحبار اليهود كتبوا العهد القديم بأيديهم عند ما كانوا منفيين ببابل بعد أن نفاهم نبوخذ نصر ، وأنهم صنعوا إلها خاصا بهم هو شبيه العجل الذهبي الذي ورد ذكره في القرآن ، واسم هذا الإله يهوه ، وصفته القسوة والبطش والانتقام واحتقار الأمم غير اليهودية والدعوة إلى محاربة الكنعانيين سكان فلسطين الأصليين ، وقد نفوا أن يكونوا موحدين وأنهم من أبناء سام بن نوح ، فجاءت السامية اليهودية الحديثة مزورة ، وتتصف بالتعصب والعداء والكراهية.
١٤ ـ (وَمِنَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّا نَصارى أَخَذْنا مِيثاقَهُمْ فَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ فَأَغْرَيْنا بَيْنَهُمُ الْعَداوَةَ وَالْبَغْضاءَ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ وَسَوْفَ يُنَبِّئُهُمُ اللهُ بِما كانُوا يَصْنَعُونَ (١٤))
[المائدة : ١٤]
قوله : (فَأَغْرَيْنا بَيْنَهُمُ الْعَداوَةَ وَالْبَغْضاءَ) يذكر بقوله تعالى : (وَلَوْ لا دَفْعُ اللهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ) [البقرة : ٢٥١] ، أو قوله : (لَهُدِّمَتْ صَوامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَواتٌ وَمَساجِدُ) [الحجّ : ٤٠] ، فحكمته تعالى هي في هذا الدفع ، وفي الحديث : (انشقت اليهود عن إحدى