اليهود والنصارى نحن أبناء الله وأحباؤه ، فحبيب الله من يعبده حق عبادته ، ويتقيه حق تقاته ، ويعرفه حق معرفته.
وفي الآية استطراد إذ قال تعالى : (بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ) فالخلق كلهم عيال الله ، وما كان الله ليصطفي اليهود ، والنصارى ويدع بقية الأمم خارج رحمته ... ثم إن المغفرة والعذاب من شأنه هو ، ليس لأحد أن يشترط عليه شروطا كما فعلت المعتزلة الذين قالوا إن الله يحقق وعده ووعيده ، فرد عليهم الإمام الغزالي قائلا : لا يتوجب على الله شيء ، إن شاء غفر لجميع الكافرين ، وعاقب جميع المؤمنين ، فالمشيئة الإلهية حرة لا تقيد ولا تحد.
١٩ ـ (يا أَهْلَ الْكِتابِ قَدْ جاءَكُمْ رَسُولُنا يُبَيِّنُ لَكُمْ عَلى فَتْرَةٍ مِنَ الرُّسُلِ أَنْ تَقُولُوا ما جاءَنا مِنْ بَشِيرٍ وَلا نَذِيرٍ فَقَدْ جاءَكُمْ بَشِيرٌ وَنَذِيرٌ وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (١٩))
[المائدة : ١٩]
البعثة المحمدية بشرى ونذير ، ذلك لأن الإسلام خاتم الأديان ، وفيه تمام التوحيد بعد كشف مراحله وآخرها كشف الذات ، وهو لمحمد صلىاللهعليهوسلم ، فالموحد إن أتم التوحيد أسلم والتحق بمحمد ، هكذا قال الجيلي في كتابه الإنسان الكامل ، حيث أعلن أن للهندوس كتابا من خمسة أجزاء ، ومن فهم الجزء الأخير ووعى ما جاء فيه آمن للإسلام ودخل فيه.
٢٠ ـ (وَإِذْ قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ يا قَوْمِ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنْبِياءَ وَجَعَلَكُمْ مُلُوكاً وَآتاكُمْ ما لَمْ يُؤْتِ أَحَداً مِنَ الْعالَمِينَ (٢٠))
[المائدة : ٢٠]
الدعوة هنا للإنسان الظاهر وحواسه ظاهرة وباطنة ومعها الفكر ، وإلى هذه القوى أشار سبحانه قائلا : (إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنْبِياءَ وَجَعَلَكُمْ مُلُوكاً) والإنسان هو الملك في الأرض على المخلوقات ، ولهذا تابعت الآية قائلة : (وَآتاكُمْ ما لَمْ يُؤْتِ أَحَداً مِنَ الْعالَمِينَ).
٢١ ـ (يا قَوْمِ ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللهُ لَكُمْ وَلا تَرْتَدُّوا عَلى أَدْبارِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خاسِرِينَ (٢١))
[المائدة : ٢١]
الأرض المقدسة حظيرة القدس ، وهي رمز حرم الصدر وكعبة القلب لدى المسلمين ، وهي كنيسة القيامة والصخرة لدى المسيحيين ، وهي أرض الميعاد لدى اليهود لا بمعنى الحصر ، أي أن تحد الأرض بحدود كفلسطين كما فعلت اليهود ، بل أن يكون المكان إشارة ، إذ الأماكن المقدسة كلها إشارات ، ولهذا قال عليهالسلام أحد جبل يحبنا ونحبه ، وواضح أن النبي رمز وأشار وأنه عني من أحد تجلي الواحد الأحد في هذه الأماكن الشريفة ، وثبت بعد دراسة التوراة أن اليهود تقيدوا بأقوال وأغفلوا أقوالا أخرى وردت في التوراة نفسها.