وقوله : (وَلا تَرْتَدُّوا عَلى أَدْبارِكُمْ) يعني الرجوع من طريق التوحيد دون إتمام قطعه ، وإتمام السير حصول الكشف الذي هو الذوق والعرفان ... حتى طريق المكاشفات هذا له مراحل ومحطات ، وكم من سالك مسافر توقف في محطة دون أن يتابع الرحيل ، أو عاد القهقرى منقلبا على عقبيه فأضاع الطريق.
٢٢ ـ (قالُوا يا مُوسى إِنَّ فِيها قَوْماً جَبَّارِينَ وَإِنَّا لَنْ نَدْخُلَها حَتَّى يَخْرُجُوا مِنْها فَإِنْ يَخْرُجُوا مِنْها فَإِنَّا داخِلُونَ (٢٢))
[المائدة : ٢٢]
الجبارون مثل الخواطر الفاسدة والوسوسة التي تعثو مفسدة في الصدر ، وقولهم : (وَإِنَّا لَنْ نَدْخُلَها حَتَّى يَخْرُجُوا مِنْها) يعني أنه لا يمكن للقلب أن يرقى إلى حظيرة القدس وأفق الروح إلا بعد أن يصد هذه الخواطر والوساوس التي تحول بين المرء وقلبه.
٢٣ ـ (قالَ رَجُلانِ مِنَ الَّذِينَ يَخافُونَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمَا ادْخُلُوا عَلَيْهِمُ الْبابَ فَإِذا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غالِبُونَ وَعَلَى اللهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (٢٣))
[المائدة : ٢٣]
الرجلان العاقلة النظرية والعاقلة العملية ، وكلتاهما مؤيدة بالاسم الهادي دون الاسم المضل ، فمن الناس من لهم هاتان العاقلتان ، ولكن ختم الله على سمعهم وأبصارهم ، فأدرجوا في الأشقياء الذين حكموا بشطر الاسم المزدوج الذي هو المضل ، ولهذا نرى الفكر مذبذبا بين المؤمنين والكافرين ، وهو سلاح في يد هؤلاء وفي يد أولئك.
وقوله : (ادْخُلُوا عَلَيْهِمُ الْبابَ) يعني الدخول من باب الضمير ، وهو نور إلهي يجعل الاسم الهادي الذي يكون بالقوة يجعله بالفعل ، فإذا دخل القلب هذا الباب غلب الوساوس والخواطر الفاسدة.
٢٤ ـ (قالُوا يا مُوسى إِنَّا لَنْ نَدْخُلَها أَبَداً ما دامُوا فِيها فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقاتِلا إِنَّا هاهُنا قاعِدُونَ (٢٤))
[المائدة : ٢٤]
(قالُوا) هم أهل الظاهر الذين لا يؤمنون بأهل الباطن ، فهؤلاء يؤثرون عدم خوض معركة الجهاد لفلق المعقولات ، ولهذا قالوا : فاذهب أنت وربك فقاتلا فكل من تقاعس عن الجهاد كان بالضروة غير منتصر لنور الضمير ، وتقاعس بالتالي عن محاربة وسوسة الشيطان والخواطر السلبية.
٢٥ ـ (قالَ رَبِّ إِنِّي لا أَمْلِكُ إِلاَّ نَفْسِي وَأَخِي فَافْرُقْ بَيْنَنا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفاسِقِينَ (٢٥))
[المائدة : ٢٥]