٣٠ ـ (فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخاسِرِينَ (٣٠))
[المائدة : ٣٠]
محاولة النفس الأمارة السيطرة على القلب ، فإذا قتلته ، وفي القلب نور الضمير ، خسرت النفس هذا النور الذي يخرجها من الظلمات ويهديها سواء السبيل.
٣١ ـ (فَبَعَثَ اللهُ غُراباً يَبْحَثُ فِي الْأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوارِي سَوْأَةَ أَخِيهِ قالَ يا وَيْلَتى أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هذَا الْغُرابِ فَأُوارِيَ سَوْأَةَ أَخِي فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ (٣١))
[المائدة : ٣١]
الغراب كناية عن الذات الإلهية التي شطرت العالم الحسي منها ، فللغراب لوناه الأسود والرمادي ، وقد يكون لونه كله أسود ، وللونين لطيفة ، فالذات الإلهية الصرفة نور بلا تكثر ولا تعين ، ولهذا فلا وجود عيانيا لها في العالم العياني ، ولهذا يرمز إليها بالسواد أو الليل أو العماء أي السحاب الرقيق عند الصوفية ، أما الرمادي فإشارة إلي العالم الحسي الذي اكتسب لون الرماد لما اكتسب الوجود المادي ، ولما كان الغراب جامعا للونين فلقد صار رمزا للحقيقة الإلهية الجامعة للحق والخلق ، والوحدة والتكثر ، والروح والمادة ، والعين والعيان.
ولقد رأى قابيل الغراب يبحث في الأرض ، والإشارة إلى أن شطر الذات تبحث عن شطرها الآخر في أرض المحسوسات ، وهذه فطرة فطر الله الناس عليها ، فكانت النتيجة أن النفس لما استولت على القلب وأسرته انتبهت فوعت آثار فعلها ، فتذكرت ما في القلب من كنوز العلم ، فجعلت تبحث فيه وذلك من خلال البحث في العالم الحسي عن المعقولات والقوانين العلمية والطبيعية.
وفي الآية لطيفة وهي قول قابيل : (فَأُوارِيَ سَوْأَةَ أَخِي) والسوأة البدن ، وقيل العورة ، والعورة فاعل ومنفعل كما الذكر والأنثى ، والإشارة إلى تجاوز الفعل والانفعال في عالم الطبيعة ، وهو ما عبر عنه بمواراة السوأة للوصول إلى الفاعل الحقيقي الذي هو الحق سبحانه ، وهذا ما فعله أبو الحسن الأشعري الذي تجاوز العلاقة بين الأسباب والمسببات في عالم الطبيعة ، كأن تكون النار سبب الإحراق ، وقال : إن الله هو المسبب الحقيقي ، وتبعه الإمام الغزالي في رده الشهير الذي تابع فيه ما قالته الأشاعرة من قبل ، وقال : إنه علم ذوقا الفاعل الحقيقي في الكون ألا وهو الله.
٣٢ ـ (مِنْ أَجْلِ ذلِكَ كَتَبْنا عَلى بَنِي إِسْرائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّما قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً وَمَنْ أَحْياها فَكَأَنَّما أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً وَلَقَدْ جاءَتْهُمْ رُسُلُنا بِالْبَيِّناتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيراً مِنْهُمْ بَعْدَ ذلِكَ فِي الْأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ (٣٢))
[المائدة : ٣٢]