قتل النفس قتل اسم من أسماء الله أو تعطيله عن ممارسة قواه ، ولهذا جاء في الآية : (مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّما قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً ،) إذ الاسم هو من مجموعة الأسماء ، والواحد هنا كالجمع ، وقتل الواحد مثل قتل الجميع ، لأن عين الجمع تجمع هذه الوحدات حتى لا يكون بينها انفصام ، وبالمقابل فإن من يحيي نفسا ، أو يحيي اسما ، أي يمكنه من ممارسة قواه كالعلم والحلم ، فهو كمن أحيا الناس جيمعا ، لأن الناس ممثلو الجمعية الأسمائية باطنا والإنسانية الجامعة ظاهرا.
٣٣ ، ٣٤ ـ (إِنَّما جَزاءُ الَّذِينَ يُحارِبُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَساداً أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذابٌ عَظِيمٌ (٣٣) إِلاَّ الَّذِينَ تابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٣٤))
[المائدة : ٣٣ ، ٣٤]
جزاء الذين يسعون في الأرض فسادا أن يقتلوا أو يصلبوا ، وهذا يحدث بسبب تعطيل قوى الأسماء نفسها كما أسلفنا القول ، فممثل الاسم المذل ، وهو الذليل ، قد قتل نفسه لما عطل شطر اسمه المزدوج وهو المعز ، أما الصلب فهو صلب الأنا أو الفكر ، وهو ناجم عن تعطيل التناقض والتضاد الذي يلعب دوره في الفكر الإنساني فيفتق المعقولات ، وإذا لم يفتق الفكر المعقولات صار جلادا ، وانحط إلى درك دون درك البهائم.
وإلى دور تعطيل التضاد تابعت الآية قائلة : (أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ) فالتضاد أو الازدواجية مشار إليها باليدين والرجلين ، والواقف مع شطر الاسم المذل دون المعز يكون كمن قطعت يداه ورجلاه ، لأن الله جعل الخير في ازدواجية الزوجين وتضاد الزوجين والمشار إليهما باليدين والرجلين.
هذا على مستوى الفعل على مسرح الوجود الظاهر ، أما على مستوى الباطن فاليدان رمز إلى الحواس الظاهرة والباطنة بعد عد أصابعهما ، واليد ترمز إلى القدرة ، والقدرة صفة إلهية ، أما الرجلان فلقد كنا ذكرنا سابقا أنهما ترمزان إلى معادلة الحق والخلق ، وكون الرجل الواحدة بمثابة الحق القديم الواجب الوجود الثابت ، وكون الرجل الثانية بمثابة الخلق المحدث الممكن الوجود المتغير ... وكون اليدين والرجلين مجموع الوجود المطلق ظاهرا ، وباطنا ، وعليه فالسعي في الأرض فسادا هو إسدال الحجاب على هذه الرؤية الجامعة التي تقرب العبد من الرب فيكون من ثم عارفا بالله وإنسانا كاملا ممثل النوع ، في حين يبقى الحجاب المحجوب محجوبا بأناه وفكره وحواسه وصفاته ، وهذا شر ما يجزى الإنسان به.