٤٢ ـ (سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ فَإِنْ جاؤُكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ وَإِنْ تُعْرِضْ عَنْهُمْ فَلَنْ يَضُرُّوكَ شَيْئاً وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (٤٢))
[المائدة : ٤٢]
الحكم بالقسط الحكم بالقانون الأخلاقي الإلهي الأزلي المنزل رسالته من السماء شرائع دينية ومقولات أخلاقية لا يختلف فيها اثنان ، وحكمة الحكم بالقسط تحقيق التوازن الوجودي إذ الأسماء في صراعها راجعة إلى قاعدة أصلية لا تتغير ولا تتبدل وصفها سبحانه في موضع آخر قائلا : (فِطْرَتَ اللهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها) [الرّوم : ٣٠].
٤٣ ـ (وَكَيْفَ يُحَكِّمُونَكَ وَعِنْدَهُمُ التَّوْراةُ فِيها حُكْمُ اللهِ ثُمَّ يَتَوَلَّوْنَ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ وَما أُولئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ (٤٣))
[المائدة : ٤٣]
أيدت الآية ما جاء في تأويل الآية السابقة أن القواعد الأخلاقية واحدة أوصت بها وشرعتها كل الأديان. ولهذا تساءل الحق كيف يحكم اليهود النبي وعندهم التوراة وما في التوراة مطابق لما في القرآن لو لم يحرفوه ، وما قاله موسى هو عين ما قاله عيسى ومحمد ، وما الخلاف الذي حصل وإنكار بعثة النبي ورسالته إلا بسبب تحريف كلام الله المنزل عن مواضعه.
٤٤ ـ (إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْراةَ فِيها هُدىً وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتابِ اللهِ وَكانُوا عَلَيْهِ شُهَداءَ فَلا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ وَلا تَشْتَرُوا بِآياتِي ثَمَناً قَلِيلاً وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ (٤٤))
[المائدة : ٤٤]
فرقت الآية اليهود فريقين ، فريقا هدى الله وهم الربانيون والأحبار قد عرفوا كلام الله وآمنوا به وأيدوه ، وفريقا اتبع هواه فضلّ وأضلّ وحكم بهواه دون حكم الله.
٤٥ ـ (وَكَتَبْنا عَلَيْهِمْ فِيها أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالْأَنْفَ بِالْأَنْفِ وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصاصٌ فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (٤٥))
[المائدة : ٤٥]
الآية جامعة للمعادلة الجامعة بين الحق والخلق ، فنفس الحق نفس الخلق ، لأن نفس الخلق نفخ من روح الله ، وكما جاء في الحديث : (خلق الله آدم على صورته) ، فالإنسان صورة الله ، والعين هي الصفة ، والذات هي الذات الجامعة للخلق ، الباطنة للخلق ، أما الصفة فهي صفات الله ، من الأسماء ، والأسماء الإلهية للتخلق كما قال ابن عربي والغزالي : يتخلق المسلم من اسم الكريم بالكرم ، ومن القدوس بالطهارة مما يشين المسلم ، ومن الحليم بالحلم.