أما الأنف والأذن والسن والجروح فهي الحواس الظاهرة ، وهي قواه تعالى معارة للخلق للتحقق بالأسماء ، والمؤمن المحسن المكاشف يتصدق بما عنده لأن ما عنده أمانة لله هي عنده عارية ، وهذا التصدق هو تمام التوحيد القاضي بالانخلاع عن الذات والاسم والصفة والفعل.
٤٦ ، ٤٧ ـ (وَقَفَّيْنا عَلى آثارِهِمْ بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْراةِ وَآتَيْناهُ الْإِنْجِيلَ فِيهِ هُدىً وَنُورٌ وَمُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْراةِ وَهُدىً وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ (٤٦) وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الْإِنْجِيلِ بِما أَنْزَلَ اللهُ فِيهِ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ (٤٧))
[المائدة : ٤٦ ، ٤٧]
التوراة كشف الفعل ونبيه موسى ، والإنجيل كشف الصفة ونبيه عيسى ولهذا دعا عيسى إلى إدارة الخد الأيسر لمن ضربك على خدك الأيمن ومحبة الأعداء لأن كشف الصفة يكشف عن كون اليمين والشمال لله سبحانه ، قال علي كرم الله وجهه : اليمين والشمال مضلة ، والطريق الوسطى هي الجادة ، وكان الإنجيل هو هذا الطريق.
٤٨ ، ٤٩ ـ (وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتابِ وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ عَمَّا جاءَكَ مِنَ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهاجاً وَلَوْ شاءَ اللهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً واحِدَةً وَلكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي ما آتاكُمْ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْراتِ إِلَى اللهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (٤٨) وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ ما أَنْزَلَ اللهُ إِلَيْكَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّما يُرِيدُ اللهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ لَفاسِقُونَ (٤٩))
[المائدة : ٤٨ ، ٤٩]
القرآن كشف الذات ، ونبيه محمد عليه الصلاة والسّلام ، ولهذا كان خاتم الرسل لأنه به ختمت الأديان ، وجاء في الآية : (مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتابِ وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ ،) أي أن كشف الذات تتمة لكشف الصفة ، وفي كشف الصفة تعطيل الفعل لأمد مؤقت ، ولهذا كانت النصرانية دين التسليم وعدم الرد على الأذى بالأذى ، وهذا سبب الشعار الذي رفعه المسيح بإدارة الخد الأيسر لمن ضرب الخد الأيمن ، أما الإسلام فبكشفه الذات تم التوحيد وعاد الأمر كما كان وفوض المسلمون العمل بأمر الله ، فكان الجهاد الإسلامي ، وكان الفتح ، فمعنى قول الآية : (وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ) أن الإسلام يهيمن على النصرانية ، لأنه في الحقيقة تتمة لها ، ولهذا أعلن النبي عن عودة عيسى إلى الأرض ، وقال إنه سيعود مسلما ، يكسر الصليب ، ويقتل الخنزيز.
٥٠ ـ (أَفَحُكْمَ الْجاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ (٥٠))
[المائدة : ٥٠]
في الآية : (أَفَحُكْمَ الْجاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ) وذلك ما جاء في التوراة والإنجيل قد بشر بمحمد أو أحمد ، إذ أن الأديان الثلاثة حلقات تتم كل واحدة منها الأخرى ولهذا ورد في القرآن قصص