الأنبياء ، ولهذا تحدث الله فيه عن موسى وعيسى وكثير من الأنبياء ، فالوقوف عند دين سماوي معين كاليهودية مثلا هو في الحقيقة في مرحلة من مراحل التوحيد ، وهذا لا يجوز في حقه تعالى لأنه هو الذي أنزل الأديان والشرائع تترى لكي يتم الكشف بمراحله ولكي يبلغ الإنسان مرحلة الإسلام بالتسليم لخالقه.
٥١ ـ (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصارى أَوْلِياءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (٥١))
[المائدة : ٥١]
في الآية إلحاح على ضرورة تجاوز اليهودية والنصرانية لأننا إذا قلنا بكشف الفعل دون كشف الصفة مثلا فإننا نكون قد أثبتنا لله شركاء في الملك وهي الصفات نفسها ورددناها إلى الإنسان ، ولقد فعلت الأحبار فعلتهم لما كانوا منفيين ببابل فكتبوا كتابا وقالوا هو التوراة ، وخلقوا إلها من صنع هواهم وأمانيهم ، فجاء إله بني إسرائيل يهوه قاسيا محبا للانتقام شديد البطش يدعو إلى القضاء على الكنعانيين سكان فلسطين الأصليين ، علما أن المكتشفات الأثرية أثبتت أن الكنعانيين موحدون ، وأنهم ساميون أصليون ، وما فعله الأحبار هو نتيجة وقوفهم عند كشف دون تجاوزهم إلى بقية الكشوف.
أما النصرانية فلقد حققت المرحلة الثانية وهي كشف الصفة ، لكنها لم تتم السير إلى كشف الذات ، فظلت الأنا موجودة في المسيحية ، والأنا أعظم حجاب بين الإنسان والله ، وبسبب وجود الأنا تشددت الرهبان في الرهبانية ، وأوغلوا في تعذيب النفس ، وحرمت فرقة منهم زواج رجل الدين كما حرموا الطلاق تحت شعار أن ما جمعه الله لا يفرقه البشر ، وظلت المسيحية عند هذه الحدود لا تتجاوزها ، في حين تجاوزها الإسلام بعد أن حقق المرحلة الأخيرة من الكشف وهي الكشف الذاتي ، فاعيدت الأنا إلى الله كما أنشد الحلاج :
بيني وبينك إنّي يزاحمني |
|
فارفع بفضلك إنّي من البين |
وهكذا صار الإنسان مظهر الحق لا غير ، ونائبا في الأرض وخليفة ، فأحل للمسلمين ما حرم على غيرهم ، وأبيح لهم ما حظر على سواهم ، وكان الإسلام دينا وسطا جامعا للدنيا والآخرة ، وميزانا يحمل في إحدى كفتيه الروح وفي الآخرة المادة ، كما أحل الزواج من أربع نساء باعتبار النساء مثلا قوابل للفاعل الحقيقي الذي هو الحق سبحانه ، كما أحل الطلاق باعتبار الصفات لله ، ومن الصفات التضاد والتقابل والتماثل والتنافر ، وما يقبله زيد قد لا يقبله عمرو ، وما يبغضه زيد قد يقع في قلب الرسول عند ما رأى زينب امرأة زيد فقال لزيد عند ما شكى زوجه أمسك عليك زوجك ، فأنزل الله حكمه ، فكان الطلاق فرجا لحاملي الصفات عند