تَهْوى أَنْفُسُهُمْ فَرِيقاً كَذَّبُوا وَفَرِيقاً يَقْتُلُونَ (٧٠))
[المائدة : ٧٠]
الرسول صوت الهدى يكون في القلب فينيره ويهديه سواء السبيل ، وهذا الصوت حكيم عليم ، وحكمته تتجلى في التضاد تارة ، وفي مخالفة الهوى ثانيا ، وفي الخضوع للمشيئة الإلهية ثالثا ، وعدم الانصياع لهذا الصوت يؤدي إلى الفتنة والانشقاق والضياع.
٧١ ، ٧٤ ـ (وَحَسِبُوا أَلاَّ تَكُونَ فِتْنَةٌ فَعَمُوا وَصَمُّوا ثُمَّ تابَ اللهُ عَلَيْهِمْ ثُمَّ عَمُوا وَصَمُّوا كَثِيرٌ مِنْهُمْ وَاللهُ بَصِيرٌ بِما يَعْمَلُونَ (٧١) لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ وَقالَ الْمَسِيحُ يا بَنِي إِسْرائِيلَ اعْبُدُوا اللهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْواهُ النَّارُ وَما لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصارٍ (٧٢) لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللهَ ثالِثُ ثَلاثَةٍ وَما مِنْ إِلهٍ إِلاَّ إِلهٌ واحِدٌ وَإِنْ لَمْ يَنْتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (٧٣) أَفَلا يَتُوبُونَ إِلَى اللهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٧٤))
[المائدة : ٧١ ، ٧٤]
قوله سبحانه : (فَعَمُوا وَصَمُّوا ثُمَّ تابَ اللهُ عَلَيْهِمْ) يعني عدم سماع صوت الضمير في القلب ، والتوبة هي شمول القلب بالرحمة حتى تعمه المغفرة ، وقوله مرة ثانية : (ثم عموا وصموا) يعني عدم سماع صوت التوحيد الداعي إلى الجمع والتسليم وهو يلي صوت الضمير ، ومرحلته الإحسان أو اليقين.
أما قوله : (لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللهَ ثالِثُ ثَلاثَةٍ وَما مِنْ إِلهٍ إِلَّا إِلهٌ واحِدٌ) فيعني أن ليس في الوجود إلا الله ، فهو الظاهر والباطن ، والظاهر هو ظهوره بخلقه فعلا ، والباطن كونه العين والصفة ، ففي هذه الدائرة ليس ثمة إلا النور المعنوي المحرك ، والذي منه كان الوجود الحسي وظهور عالم الكثرة والأشباح.
٧٥ ـ (مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كانا يَأْكُلانِ الطَّعامَ انْظُرْ كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ الْآياتِ ثُمَّ انْظُرْ أَنَّى يُؤْفَكُونَ (٧٥))
[المائدة : ٧٥]
الرسول ممثل الروح وتعينه ، وكون أم المسيح صديقة يعني النفس الكلية التي هي حامل الروح في مجال الحس ، فهي جسر بين الروح والعالم الخارجي ، ولهذا كانت بمثابة الأم ، وكان الروح بمثابة الولد الكائن في بطن الأم التي هي الطبيعة.
وقوله : (كانا يَأْكُلانِ الطَّعامَ) يعني حاجة الروح والنفس إلى مقوم أول هو الذات الصرفة صرفا مطلقا بشرط الإطلاق ، فأكل الطعام أخذ المعلومات من الحضرة الصرفة باطنا ، وأخذ المعلومات من الوجود الحسي ظاهرا ، وكلاهما لله تعالى.