السَّماءِ فَتَأْتِيَهُمْ بِآيَةٍ وَلَوْ شاءَ اللهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدى فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْجاهِلِينَ (٣٥) إِنَّما يَسْتَجِيبُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ وَالْمَوْتى يَبْعَثُهُمُ اللهُ ثُمَّ إِلَيْهِ يُرْجَعُونَ (٣٦) وَقالُوا لَوْ لا نُزِّلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ قُلْ إِنَّ اللهَ قادِرٌ عَلى أَنْ يُنَزِّلَ آيَةً وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ (٣٧))
[الأنعام : ٣٥ ، ٣٧]
المشيئة الإنسانية المتمثلة في النبي وقد وقفت بين يدي المشيئة الإلهية المتمثلة في حقيقته ، فالنبي وقف أمام مرآته ضائق الصدر بالوضع الوجودي للأسماء ، وقد أحزنه عدم إسلام عمه أبي طالب ، كما كبر عليه إعراض المشركين ومنهم بعض عشيرته الأقربين ... فكان جواب الحق أن هذه هي المشيئة الإلهية ، ولا راد لها ولا مبدل لأسسها فالنفق في الأرض محاولة خرق أرضية الأسماء ، أي أسماء الأفعال ، والسلم في السماء محاولة خرق أرضية الأسماء ، أي أسماء الصفات ، والإتيان بآية الإتيان بدليل قاطع تظل أعناق المشركين لها خاضعين ، والله بعد التذكير بأن السالب ضروري للموجب ، وأن الأسود الوجه الثاني للأبيض ، وأن حكمته تعالى قضت هذا القضاء الوجودي المحكم ، ولو شاء سبحانه أن يجمع من هم في الجمع حقا لجمعهم ، فالجمع هنا جمع للون دون لون ، وهذا مستحيل في حقه تعالى لأنه بالتضاد برز وظهر وفعل ، كما أنه لو شاء ألا يجعل التضاد صفة الوجود لفعل أيضا ، فالقانون الوجودي من وضعه وحده ، ولو لم يشأ ما كان لشاء شيئا آخر وهو الجمع على الهدى.
٣٨ ـ (وَما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا طائِرٍ يَطِيرُ بِجَناحَيْهِ إِلاَّ أُمَمٌ أَمْثالُكُمْ ما فَرَّطْنا فِي الْكِتابِ مِنْ شَيْءٍ ثُمَّ إِلى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ (٣٨))
[الأنعام : ٣٨]
دواب الأرض يدبون بقوى الروح الحيواني وهو قدرة إلهية ، والطير المعقولات ، وجناحا الطير المعقولات وتضادها ، والجناحان في الإنسان فكره بتناقضه ، فأنا تثبت وأنا تنفي ، وكلتاهما تحملان المعقول وقوله : (أُمَمٌ أَمْثالُكُمْ) يعني أن حقيقة الجماد ، والنيات والحيوان روح إلهي ، ولهذا فلا جماد ولا نبات ولا حيوان بل ثمة روح إلهي اتخذ هذه الدابات والصور ، وإلا فكيف يفسر وجود الغريزة لدى الحيوان ، والغريزة ليست عقلا والحيوان لا عقل له ، ومع هذا فالغريزة سلوك فطري ذو نظام كامل يحقق القصد من وجوده وهو حفظ النوع وضمان استمرار الحياة وترجع العلماء الغريزة إلى أنها نمط من أنماط الحياة هاد ، ويعترفون بأنها سر ، ومع هذا فهم لا يشرحون كيف حصلت الغريزة على قانونها ، ولا من أين حصلته ، ولو طبقنا مثل الحاجة أم الاختراع ، ونظريته التلاؤم مع البيئة ، لكنا سلمنا جدلا بأن ثمة عملية فكرية قد جرت في الغريزة حتى وصلت إلى استحداث قانونها ، وما دام هذا يناقض تعريف الغريزة ، بأنها سلوك فطري عفوي ثابت مشترك بين أفراد النوع متكيف مع هدف لا