يشعر به الفرد فالنتيجة هي عدم إمكان حل أحجية الغريزة نفسها والتسليم بالتالي بأن ثمة قوة عليا وراء الغريزة وداخلها هي التي هدتها وعلمتها وسلحتها بالقوانين.
٣٩ ـ (وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا صُمٌّ وَبُكْمٌ فِي الظُّلُماتِ مَنْ يَشَأِ اللهُ يُضْلِلْهُ وَمَنْ يَشَأْ يَجْعَلْهُ عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (٣٩))
[الأنعام : ٣٩]
تحدثنا عن المشيئة الإلهية والمشيئة الإنسانية ، وكان الخلاف حول حرية المشيئة هو الذي فصل المعتزلة عن الأشاعرة الذين هم أهل السنة.
وقيل : إن الصاحب بن عباد المعتزلي دخل يوما على صاحب له وعنده الأستاذ أبو إسحاق الإسفرايني ، فقال ابن عباد : سبحان من تنزه عن الفحشاء فقال الأستاذ : سبحان من لا يقع في ملكه إلا ما يشاء ، فقال ابن عباد : أفيريد ربنا أن يعصى؟ فقال الأستاذ : أفيعصى ربنا كرها؟
والتوحيد يقضي التسليم بوجود مشيئة إلهية جامعة قاهرة ، وإلا لما كان الله إلها ، ولكثرت الآلهة في السموات والأرض ، ولذهب كل إله بما خلق وهذا مستحيل قطعا في حقه تعالى ، ما دام هو نور السماوات والأرض ، وما دام هو الإله في السماوات وفي الأرض ، وما دام هو القاهر فوق عباده ، وما دام هو القائل : (ما مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِناصِيَتِها) [هود : ٥٦].
٤٠ ، ٤٣ ـ (قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتاكُمْ عَذابُ اللهِ أَوْ أَتَتْكُمُ السَّاعَةُ أَغَيْرَ اللهِ تَدْعُونَ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (٤٠) بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ فَيَكْشِفُ ما تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِنْ شاءَ وَتَنْسَوْنَ ما تُشْرِكُونَ (٤١) وَلَقَدْ أَرْسَلْنا إِلى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَخَذْناهُمْ بِالْبَأْساءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ (٤٢) فَلَوْ لا إِذْ جاءَهُمْ بَأْسُنا تَضَرَّعُوا وَلكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ ما كانُوا يَعْمَلُونَ (٤٣))
[الأنعام : ٤٠ ، ٤٣]
كل دعاء ، وكل رجاء ، وكل فرار من خطر والتجاء إلى مغيث ومنجد هو التجاء إلى الله تعالى ، لأنه سبحانه في القلب ، لأنه يسمع النجوى ، ولأنه حاضر لا يغيب فهو السميع المجيب ، وهو يجيب المضطر إذا دعاه ، ولهذا قال سبحانه في موضع آخر : (ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلَّا إِيَّاهُ) [الإسراء : ٦٧] لأنه في الحقيقة ما من موجود سواه ، وما من أحد إلا هو من باب القوامة فهو الحي القيوم.
٤٤ ـ (فَلَمَّا نَسُوا ما ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنا عَلَيْهِمْ أَبْوابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذا فَرِحُوا بِما أُوتُوا أَخَذْناهُمْ بَغْتَةً فَإِذا هُمْ مُبْلِسُونَ (٤٤))
[الأنعام : ٤٤]
الأبواب الخواطر وهي التي تمد الإنسان بأسباب الفكر لتنجيه مما هو فيه ، ولتساعده على العيش ، ثم هي التي توسوس له ، وتزين له حب الشهوات من المال والجاه ، فمجموع الخواطر أبواب التفرقة ، والأخذ رد الأبواب إلى باب واحد جامع هو الحق الملهم سبحانه ،