أما الصراط المستقيم الوارد ذكره في الآية السابعة والثمانين فهو الصراط الوجودي الذي هو الظهور الإلهي نفسه ، وتتمة لوصفنا الشجرة نقول : إن كل مخلوق هو على صراط الرب المستقيم ، لأنه سبق أن قلنا : إن سمة الأسماء التضاد ، فالتضاد سر الحياة كما قال هيغل ، وعلى هذا فناصية الكفر والإيمان والضلال والهدى بيد الله عزوجل ، حاشاه أن يخرج عليه شيء ، ولهذا قال ابن عربي ضاربا مثلا لهذه الناصية : إن اعوجاج القوس عين استقامتها ، لأنه لو لا الاعوجاج ما رمت ، وفي هذا المثل لطيفة فكل مخلوق له مكانته الخاصة ، أو مكانة في بناء الوجود العظيم ، هكذا قال اسبينوزا مبينا أن ليس في الوجود إلا هذا البناء الإلهي الكامل الذي يحتل كل مخلوق فيه مكانة معينة.
٨٨ ـ (ذلِكَ هُدَى اللهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ ما كانُوا يَعْمَلُونَ (٨٨))
[الأنعام : ٨٨]
واضح من الآية انفراده سبحانه بالهدى فهو الهادي وحده ، وليس لحدوث الهدى شرط حتى ولا المشيئة الإنسانية أو العمل ، فهو سبحانه المضل الهادي لا شريك له في الملك.
٨٩ ، ٩٠ ـ (أُولئِكَ الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ فَإِنْ يَكْفُرْ بِها هؤُلاءِ فَقَدْ وَكَّلْنا بِها قَوْماً لَيْسُوا بِها بِكافِرِينَ (٨٩) أُولئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللهُ فَبِهُداهُمُ اقْتَدِهْ قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرى لِلْعالَمِينَ (٩٠))
[الأنعام : ٨٩ ، ٩٠]
الإيمان فطرة ، وأصله الاسم الطابع والخاتم ، وفي الحديث (أن أحدكم يجمع في بطن أمه أربعين يوما ، ثم علقة مثل ذلك ، ثم يكون مضغة مثل ذلك ، ثم يبعث الله ملكا فيؤمر بأربعة برزقه وأجله وعمله وشقي هو أو سعيد ، ثم ينفخ فيه الروح فو الله إن أحدكم ليعمل بعمل أهل النار حتى ما يكون بينه وبينها غير ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخل الجنة وإن الرجل ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها غير ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخل النار).
فالشقاوة والسعادة طبع وطابع ، والسعيد هو المؤمن صاحب الصفات الحسنة ، وقلوب هؤلاء تهوي إلى الأنبياء يلبون دعوتهم إذا دعوهم إلى الإيمان.
٩١ ـ (وَما قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قالُوا ما أَنْزَلَ اللهُ عَلى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ قُلْ مَنْ أَنْزَلَ الْكِتابَ الَّذِي جاءَ بِهِ مُوسى نُوراً وَهُدىً لِلنَّاسِ تَجْعَلُونَهُ قَراطِيسَ تُبْدُونَها وَتُخْفُونَ كَثِيراً وَعُلِّمْتُمْ ما لَمْ تَعْلَمُوا أَنْتُمْ وَلا آباؤُكُمْ قُلِ اللهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ (٩١))
[الأنعام : ٩١]
المؤمن الحق من آمن بالأنبياء جميعا لأن هؤلاء جميعا لسان الحق وآياته ، ولهذا ورد في