كتاب الله الحديث عن الأنبياء منذ آدم مرورا بالموسوية والنصرانية ، والوحي يخبرنا بأن خبر محمد ورد في التوراة التي أنزلت على موسى ، ولكن الإسرائيليين أخفوا هذا الخبر ، وجعلوا التوراة أجزاء أظهروا بعضها وأخفوا بعضها الآخر.
والمؤمن الحق الذي أوتي نور الهدى مؤمن بالنبوات والأديان كلها كما سبق القول ، ومن ينكر بعثة محمد فهو ليس بمؤمن ... وإلا فكيف يؤمن الإسرائيلي بما أنزل على موسى ثم ينكر بعثة عيسى ومحمد؟ فمن أوحى إلى موسى هو الذي أوحى إلى عيسى ومحمد ، ومشكاة النبوة واحدة ولو كان ثم مشكاتان لاختلفت الكتب السماوية وتناقضت ، وصار في السماء والأرض آلهة يوحي كل إله إلى نبي مخصص ما يوحي.
٩٢ ـ (وَهذا كِتابٌ أَنْزَلْناهُ مُبارَكٌ مُصَدِّقُ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَلِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرى وَمَنْ حَوْلَها وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَهُمْ عَلى صَلاتِهِمْ يُحافِظُونَ (٩٢))
[الأنعام : ٩٢]
أم القرى مكة ، وهي هنا إشارة إلى الصدر الجامع الذي يحوي العين الجامعة ، وهي الذات الإلهية التي جعلت الكعبة رمزا لها وظهورا.
فالإسلام من السّلام ، ولهذا تبع الموسوية ، والنصرانية ، وكان خاتم الأديان ، إذ بمجيئه تمت الكشوف الثلاثة ، فتم التوحيد ، واكتملت علومه بدءا من النبي ومرورا بالصحابة ثم الأعلام العلماء من الفقهاء والعارفين الموحدين.
٩٣ ـ (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً أَوْ قالَ أُوحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ وَمَنْ قالَ سَأُنْزِلُ مِثْلَ ما أَنْزَلَ اللهُ وَلَوْ تَرى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَراتِ الْمَوْتِ وَالْمَلائِكَةُ باسِطُوا أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذابَ الْهُونِ بِما كُنْتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنْتُمْ عَنْ آياتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ (٩٣))
[الأنعام : ٩٣]
قضية الوحي أثارت في التاريخ جدلا كثيرا ، والوحي الصوت الخفي ، وهو سر بين العبد وربه ، وبما أنه خفاء ، وخفاء في الخفاء فلقد أغرى هذا الخفاء الكثيرين من مدعي النبوة والولاية فقالوا إنه يوحى إليهم ، والمشكلة تحديد ماهية الوحي والسؤال عما إذا كان الموحى إليه صاحب وحي أم لا ، وكم شهد التاريخ من نبوات كاذبة ادعى أصحابها أنهم قد أوحي إليهم ، وتبعهم الناس فأضلوهم.
والآية تتحدث عن سوء ختام مدعي النبوة الكاذب ، وتحصر الآية العذاب الواقع بهؤلاء بالملائكة الباسطي أيديهم بهذا العذاب ، ولما كانت الملائكة معقولات كليات فإن العذاب الواقع يقع من قبل الخواطر الصادرة عن ملائكة جهنم البعد الذين يجزون النفوس المظلمة