وقوله : (لا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِهِ) يعني أنه لا وجود غير هذا الوجود ، وهذه حقيقة يراها الإنسان ويتحققها منذ أن بدأ يعي الوجود من حوله ، فإن رغبت عن هذا الوجود فأنت واقع في العدم أي في اللاوجود ، وكل ما ذهب إليه الملاحدة ، والفلاسفة الطبيعيون لا يخرج على فلك هذا الوجود شاؤوا ذلك أم أبوا ، ولهذا قال سبحانه في موضع آخر : (يا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطارِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ فَانْفُذُوا لا تَنْفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطانٍ) [الرحمن : ٣٣].
وقوله : (وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) يعني أنه هو الآخذ المعطي ، والمرسل المستقبل إذ لما كان الوجود وجوده فإن كل ما في الوجود من آلات وقوى وإمكانات ومخلوقات هو له ، فالحركة والسكون والسمع والبصر والكلام والغرائز والحركات كلها هي من صنع القدير الحكيم الذي فجر من ذاته اللطيفة طاقة من السديم الأول الذي وصفه عليهالسلام بأنه ياقوتة بيضاء ، فإذا الحياة تنتشر وإذا الطاقات تنفجر ، وإذا الحق يرسل أشعته ذات الكيف ، ثم إذا هو يستقبل تفاريعها وتخاريجها وتطورها وإرسالها عند ما يسمع بكل من يسمع بقوة السمع ، وإذا هو يرى بكل عين ترى بقوة البصر ، وإذا المعطي قد عاد فأخذ ما كان أعطاه بعد انتشار المخزون.
١١٨ ، ١٢١ ـ (فَكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ بِآياتِهِ مُؤْمِنِينَ (١١٨) وَما لَكُمْ أَلاَّ تَأْكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ ما حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلاَّ مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ وَإِنَّ كَثِيراً لَيُضِلُّونَ بِأَهْوائِهِمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِالْمُعْتَدِينَ (١١٩) وَذَرُوا ظاهِرَ الْإِثْمِ وَباطِنَهُ إِنَّ الَّذِينَ يَكْسِبُونَ الْإِثْمَ سَيُجْزَوْنَ بِما كانُوا يَقْتَرِفُونَ (١٢٠) وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ وَإِنَّ الشَّياطِينَ لَيُوحُونَ إِلى أَوْلِيائِهِمْ لِيُجادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ (١٢١))
[الأنعام : ١١٨ ، ١٢١]
الآيات الأربع خلاصة هذه السورة التي سميت الأنعام ، وللتسمية لطيفة وهي كون الأنعام هي التي تحمل الروح باعتبارها ظهورا لها ، فالأنعام هنا النفس الحيوانية ، ومنها الروح الحيواني الذي وصف بأنه جرم بخاري لطيف يسري في البدن بمساعدة النور الفاعل ، وعلى هذا فكل ذي حياة هو ذو روح وبالتالي هو دابة مطية لهذه الروح ، فالروح سائق سيارة ، والسيارة الأنعام والروح الحيواني ، والروح الحيواني الوقود الحي.
وقوله : (مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ) يعني أن النفس الحيوانية اسم من أسمائه تعالى ، وهذا الاسم هو الحي ، ومن دون هذا الاسم لا حياة لحي بل هي موات.
وما حرم على المسلمين الميتة والدم ولحم الخنزير ، أما الميتة فلأن الروح الحيواني فارقها فهي إذن فاسدة ، إذ متى غادرت الروح البدن فسدت عناصره واختلطت ، وأما الدم