فلأن فيه القوة الروحية السارية ، فحرام على المسلمين شرب ما سرى الروح فيه ، ومعلوم أن الذبح على الشريعة الإسلامية يقتضي إخراج الدم من الذبيحة ، وإن ما حرم من الحيوان من منخنقة ومتردية ونطيحة إنما حرم لموتها قبل خروج الدم منها ، وأما لحم الخنزير فهو لحم الأنا الترابية ، وسميت هذه الأنا الدنية ، وفي التسمية نكتة ، ذلك لأن الخنزير يتصف بصفات الأنا الدنية ، فهو يأكل القاذورات ، ويرتع في الحمأة ، ومن صفاته أنه ديوث ، تمسك ذكرانه بأنثى يأتونها واحدا بعد آخر والكل للناكح شاهد وراض ، وقد ينكح الولد أمه ، وصفات الحيوان سارية في الدم.
١٢٢ ـ (أَوَمَنْ كانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْناهُ وَجَعَلْنا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُماتِ لَيْسَ بِخارِجٍ مِنْها كَذلِكَ زُيِّنَ لِلْكافِرِينَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ (١٢٢))
[الأنعام : ١٢٢]
الميت من كان جاهلا غافلا عن آياته الله ، لا يعرف مكانته عند الله ولا مكانة الله عنده ، وعلى هذا فالأموات كثير والأحياء قليل ، والنور هو نور الهدى ينفجر في القلب في فجر اليقين ، فينتبه النائم من نوم الغفلة ، ويحيا ميت الجهل ، ويبدأ رحلته إلى الله وهجرته كما هاجرت طيور" منطق الطير" لفريد الدين العطار.
وقوله : (يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ) يعني المشي بالنور في الناس ، وهذا حال أشبه بمن يحمل مصباحا كالمصباح الذي كان يحمله الفيلسوف اليوناني الزاهد ديوجينز ، يمشي به في الأسواق باحثا عن الإنسان الكامل ولا يلقاه ، فصاحب نور التوحيد يرى ما لا يرى الناس ، وما يراه هو ما عناه سبحانه بقوله : (فَكَشَفْنا عَنْكَ غِطاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ) [ق : ٢٢] أما ما يراه صاحب المصباح النوراني فهو ما ذكرناه في تأويل الآيات السابقة من كون العالم الحسي كله كالأنعام ، وأنه هو ظهور الروح أو الاسم الباطن ، وسمي هذا العالم الحوض والحوض وعاء يحتوي الماء ويجمعه.
١٢٣ ـ (وَكَذلِكَ جَعَلْنا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَكابِرَ مُجْرِمِيها لِيَمْكُرُوا فِيها وَما يَمْكُرُونَ إِلاَّ بِأَنْفُسِهِمْ وَما يَشْعُرُونَ (١٢٣))
[الأنعام : ١٢٣]
أكابر المجرمين أصحاب الفكر وللتسمية نكتة ، فالمجرمون أصحاب الأجرام البشرية ، إذ كل جسم هو جرم بدءا من أصغر الجراثيم وحتى أكبر الأجرام الفضائية ، والمجرمون من يقودون أجرامهم ، ولما كان الفكر يقود الجسد فإنه هنا هو السائق.
والمكر الخداع ، فالفكر يتجه شمالا ويتجه يمينا ، وما السفسطة في الفلسفة إلا فلسفة لأصحابها القدرة على أن يقولوا شيئا ، ويثبتوه بالأدلة ، ثم يقولوا شيئا آخر مناقضا لما قالوه