الصيروري للديمومة الحية ، وقوله : (النَّارُ مَثْواكُمْ) يعني كون أصحاب الخواطر في نار الحجاب ، إذ الخواطر في حد ذاتها حجاب عن الله ، وهي ما عناها عليهالسلام بقوله : (إن لله سبعين ألف حجاب من نور وظلمة) ، فبينك وبين الله هذه النار من الأنا وخواطرها فاتق الله ، وفر إلى الجنة من النار.
١٢٩ ، ١٣١ ـ (وَكَذلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضاً بِما كانُوا يَكْسِبُونَ (١٢٩) يا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آياتِي وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقاءَ يَوْمِكُمْ هذا قالُوا شَهِدْنا عَلى أَنْفُسِنا وَغَرَّتْهُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا وَشَهِدُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كانُوا كافِرِينَ (١٣٠) ذلِكَ أَنْ لَمْ يَكُنْ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرى بِظُلْمٍ وَأَهْلُها غافِلُونَ (١٣١))
[الأنعام : ١٢٩ ، ١٣١]
الرسل صوت الضمير الذي قال فيه الفيلسوف كانط : إنه القانون الأخلاقي العام ، وهذا القانون الصوت هو الذي يحوش غنم الخواطر النافرة من الحظيرة الإلهية ، والتي تريد أن تهوي بالقلب في واد سحيق.
وقوله : (شَهِدْنا عَلى أَنْفُسِنا) اعتراف أصحاب القلوب الضالة بأنهم كانوا يسمعون صوت الضمير فيهم ولا يجيبون.
وقوله : (ذلِكَ أَنْ لَمْ يَكُنْ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرى بِظُلْمٍ) يعني البدن وما فيه ، ذلك أن تأويل القرية هو البدن ، وإهلاك البدن بظلم ليس من شيمة الحق.
١٣٢ ، ١٣٣ ـ (وَلِكُلٍّ دَرَجاتٌ مِمَّا عَمِلُوا وَما رَبُّكَ بِغافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ (١٣٢) وَرَبُّكَ الْغَنِيُّ ذُو الرَّحْمَةِ إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَسْتَخْلِفْ مِنْ بَعْدِكُمْ ما يَشاءُ كَما أَنْشَأَكُمْ مِنْ ذُرِّيَّةِ قَوْمٍ آخَرِينَ (١٣٣))
[الأنعام : ١٣٢ ، ١٣٣]
الأصل الرحمة الوجودية العامة ، وكلما هددت هذه الرحمة بطغيان الأسماء القهارة عدل الله كفه الميزان بإفناء تعينات أسماء وتبديلها لترجح كفة الرحمة.
١٣٤ ـ (إِنَّ ما تُوعَدُونَ لَآتٍ وَما أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ (١٣٤))
[الأنعام : ١٣٤]
الوعد المآتي ما سطر في الكتاب أزلا ومسبقا وهو هنا التضاد ، ثم ما يحدثه الله في عالم الإمكان عن طريق القضاء المبرم كما سماه العارف بالله عبد الكريم الجيلي ، وهذا القضاء هو معنى تحقق قوله تعالى : (كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ) [الرحمن : ٢٩] والمهم أن وعد الله هو الذي يتحقق ، وما من شيء يرد من قضاء الله ، كما قال سبحانه : (غُلِبَتِ الرُّومُ (٢) فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ (٣) فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ ،) والقصة معروفة في كتب التفسير ، وملخصها أن المؤمنين علموا بأمر الحرب الواقعة بين الروم