الوليد خروج ما في باطن الإمكان من كنوز إلى ساحة الظاهر ، وقتله إجهاض الرحم الطبيعية وذلك بعدم الاعتراف بوجود الوليد نفسه ، فالطبيعيون يدرسون ظواهر الطبيعة وأسرار المخلوقات ثم يقولون بالغريزة ، وهم لا يشرحون ماهية الغريزة ، ولا تطال مجاهرهم ومسابرهم وعقولهم أسرار الغريزة وكيف أودعت واستودعت قوانينها ونظامها المحير للعقول ، ولو آمن هؤلاء لكشف عنهم الغطاء ، فرأوا من وراء الغريزة ، ومن جعل لها نظامها الذي يحكم العالم ، سبحانه هو الوالد والمولود ، والد لأنه خالق ، ومولود لأنه يكشف عن وجوده في الهوية الإنسانية لدى وصول السالكين إلى الأفق المبين في فجر اليقين.
١٣٨ ، ١٣٩ ـ (وَقالُوا هذِهِ أَنْعامٌ وَحَرْثٌ حِجْرٌ لا يَطْعَمُها إِلاَّ مَنْ نَشاءُ بِزَعْمِهِمْ وَأَنْعامٌ حُرِّمَتْ ظُهُورُها وَأَنْعامٌ لا يَذْكُرُونَ اسْمَ اللهِ عَلَيْهَا افْتِراءً عَلَيْهِ سَيَجْزِيهِمْ بِما كانُوا يَفْتَرُونَ (١٣٨) وَقالُوا ما فِي بُطُونِ هذِهِ الْأَنْعامِ خالِصَةٌ لِذُكُورِنا وَمُحَرَّمٌ عَلى أَزْواجِنا وَإِنْ يَكُنْ مَيْتَةً فَهُمْ فِيهِ شُرَكاءُ سَيَجْزِيهِمْ وَصْفَهُمْ إِنَّهُ حَكِيمٌ عَلِيمٌ (١٣٩))
[الأنعام : ١٣٨ ، ١٣٩]
فصل المحسوسات ومن ثم المعقولات عن الحق حيث جعلوا منها ما هو بشري وما هو حيواني ، وما هو نباتي ، وما هو جماد ، حاشاه سبحانه أن يكون في الوجود وجود آخر سواه.
وقوله : (وَأَنْعامٌ حُرِّمَتْ ظُهُورُها وَأَنْعامٌ لا يَذْكُرُونَ اسْمَ اللهِ عَلَيْهَا) يعني أن طائفة أخرى جعلت من هذه المظاهر شيئا لله وشيئا لغيره كما فعلت المعتزلة الذين أثبتوا الإرادة والمشيئة والحرية الإنسانية ، ثم قالوا : إنه يتوجب على الله أن يحقق وعده ووعيده.
وقوله : (وَقالُوا ما فِي بُطُونِ هذِهِ الْأَنْعامِ خالِصَةٌ لِذُكُورِنا وَمُحَرَّمٌ عَلى أَزْواجِنا ،) يعني إحالة بعض الأفعال إلى الله باعتبار الذكر فاعلا ، وإحاطة بعضها الآخر إلى الخلق باعتبار الخلق منفعلا ، وهو ما رمز إليه في الآية بالأزواج ، وقضية الأزواج مشهورة في تاريخ الفلسفة ، وأشهر من درس هذه القضية الفيثاغوريون الذين قالوا إن أصل الوجود أعداد مثالية مقدسة عشرة ، وإن من هذه العشرة الفردي ، وجعلوها فاعلة وخيرة وسموها الحد ، كما أن من العشرة الزوجي ، وهي منفعلة وسموها اللامحدود ، أو ما يسمى الهباء بلغة الصوفية وفقا لما جاء في حديث الرسول عن الهباء ، وقال الفيثاغوريون إن الأعداد الفردية دخلت في الزوجية ، أي دخل الحد في المحدود فقسمه إلى وحدات ، وجعلوا هذه الوحدات نقاطا ، ومن النقاط خطوطا ، ومن الخطوط أشكالا تشكل هرما للوجود ، والمهم القول إن كل ما يسمى في الفلسفة والديانات الزوج فهو المنفعل ، أما الفرد فهو الفاعل ، والأعداد الفردية من العشرة الفيثاغورية هي وسائط للخلق والوجود ، وسماها أفلوطين عقولا ، وقال : إن هذه العقول هي عقول الأفلاك والأجرام.