الإنسانية داخلة ضمنا في دائرة المشيئة الإلهية ، وذلك عن طريق رد العيون الصفاتية إلى العين الكبرى أم الصفات وهي المدعوة الجبروت ، أما أن يقول المشرك هذا فقوله كذب وله نكتة ، ذلك أن المشرك شارك الله في وحدانيته في إثبات شيء ما ، وأول الإثبات إثبات أنيته وإلا لما سمي مشركا ، وإشراكه هذا هو في حد ذاته إثبات مشيئة الإنسان فإنه يكون كاذبا بالضرورة ، ولهذا تابعت الآية قائلة : (قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنا).
١٤٩ ، ١٥٠ ـ (قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبالِغَةُ فَلَوْ شاءَ لَهَداكُمْ أَجْمَعِينَ (١٤٩) قُلْ هَلُمَّ شُهَداءَكُمُ الَّذِينَ يَشْهَدُونَ أَنَّ اللهَ حَرَّمَ هذا فَإِنْ شَهِدُوا فَلا تَشْهَدْ مَعَهُمْ وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَالَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَهُمْ بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ (١٥٠))
[الأنعام : ١٤٩ ، ١٥٠]
بتت الآية الموضوع بالقول : (فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبالِغَةُ) إذ هو سبحانه مالك نواصي التوحيد ، والشرك والإيمان والكفر لتحقيق غاية هي تحريك الدائرة الأسمائية ، ولهذا تابعت الآية قائلة : (فَلَوْ شاءَ لَهَداكُمْ أَجْمَعِينَ) أي أن الله صاحب المشيئة سواء أكانت ذاتية إلهية أو صفاتية إنسانية لأنه لا إله إلا هو في سماء الروح وأرض الجسد.
١٥١ ـ (قُلْ تَعالَوْا أَتْلُ ما حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلاَّ تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ مِنْ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلا تَقْرَبُوا الْفَواحِشَ ما ظَهَرَ مِنْها وَما بَطَنَ وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ ذلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (١٥١))
[الأنعام : ١٥١]
الآية الكبرى عدم الشرك بالله ، والإحسان إلى الوالدين الإحسان إلى الروح الفاعل وإلى النفس الكلية المنفعلة وذلك بإيفائها حقها من الإحسان ، أي برد بعض مالهما من فضل ، وقتل الأولاد قتل النفوس الجزئية بسبب فقرها ، لأن هذه النفوس موصولة برحم النفس الكلية أولا ، ولأن رزقها من العلوم والأرزاق الحسية واصل إليها من الاسم الرزاق ، إذ ما من نفس إلا ولها رزقها معجلا ومؤجلا ، والرزق المعجل إعطائها الاسم المقدر لها لدى خروجها من رحم أمها النفس الكلية ، فلا نفس إلا ولها اسم ملازم ، ولا اسم إلا وله نفس تعينه فالقضية حامل ومحمول ، والرزق المؤجل ما توفى النفس حقها من الاسم أولا حين يعطيها مكنونه بعد الفض ، فيكون المؤمن مؤمنا بالممارسة ، وكذلك الحليم والكريم والعليم الذي هو أعظم الأسماء الربوبية قاطبة ، فالرزق المؤجل قضاء محكم ، ولهذا جاء في الحديث : (الرزق رزقان ، رزق تدركه ورزق يدركك ، ولا تستوفي نفس أجلها حتى تستوفي رزقها).
وقوله : (وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللهُ إِلَّا بِالْحَقِ) يعني قتلها لله وبالله وفي الله ، وفي