الأمر لطيفة ، إذ النفس أصلا مرآة وشعاع نوراني فهي موجودة بربها لا بنفسها ، ولهذا يقال هي موجودة مفقودة ، فالنفس خيال ، وسمي الخيال الجامع هذا حضرة ، وسمي برزخا ، والمهم القول إن النفس ميتة بذاتها ، حية بالله ، ولهذا قال البسطامي في مقام المشاهدة : رأيت الناس موتى فكبرت عليهم أربع تكبيرات.
وقتل النفس بالحق قتلها بالعلم ، والعلم هو العلم اللدني المبنى على المكاشفة والمشاهدة ، والقتل ضروب من الموتات كالموت الأسود والموت الأبيض والموت الأحمر ، فالأسود موت الفعل ، والأبيض موت الصفة ، كما قال البسطامي : أنا لا صفة لي ، والأحمر موت الذات ، والموت هنا معنوي أي التحقق بالحقيقة الإلهية ، وكون الإنسان آلة الحق ومرآته لا غير ، فإذا مات الفاني فلا يعني هذا موت الروح الحيواني منه ، بل يعني موت إيمانه بأنيته وقيامه برب الأنية ، وهذا أمر عاشه رجال الله ومنهم أبو بكر الصديق الذي قال فيه رسول الله صلىاللهعليهوسلم : (من أراد أن ينظر ميتا يمشي على الأرض فلينظر أبا بكر).
١٥٢ ـ (وَلا تَقْرَبُوا مالَ الْيَتِيمِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزانَ بِالْقِسْطِ لا نُكَلِّفُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَها وَإِذا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كانَ ذا قُرْبى وَبِعَهْدِ اللهِ أَوْفُوا ذلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (١٥٢))
[الأنعام : ١٥٢]
اليتيم ، الفكر ، وماله العلوم التي ورثها من والديه الروح والنفس الكلية ، وقوله : (وَلا تَقْرَبُوا مالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) يعني إيفاء الأسماء حقها من التحقق ، والأسماء أخلاق ، فالله سبحانه جعل الأخلاق سبيلا إلى معرفته ومفتاح معرفته ، ولهذا قال صلىاللهعليهوسلم : (إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق) ، وحصر النبي صلىاللهعليهوسلم الأسماء الأخلاقية بتسعة وتسعين اسما ، وقال : (إن من أحصاها دخل الجنة) ، فإحصاء التسعة والتسعين من الأسماء هو معنى قوله : (بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ،) فإذا تحقق الإحصاء بلغ الفكر اليتيم أشده ، أي استوفى حظه من فهم الأسماء العقلية بالإضافة إلى الأسماء الخلقية ، وعلى هذا فلا مدخل للفكر إلى دار العلم الكامل إلا عن الطريق الأخلاقي سبيلا إلى المعرفة ، وكذلك فعل الفيلسوف كانط حيث ذكر أن لا سبيل إلى معرفة الشيء في ذاته ، أي الحقيقة ، إلا عن الطريق الأخلاقي ، وإن من طلب العلم بغير هذا المنجل لم يحصد إلا الغلط.
١٥٣ ـ (وَأَنَّ هذا صِراطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (١٥٣))
[الأنعام : ١٥٣]
قلنا : الصراط هو الطريق الجامع أو الدائرة الوجودية التي لا يخرج عليها شيء ، وكيف