١٥٩ ـ (إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكانُوا شِيَعاً لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّما أَمْرُهُمْ إِلَى اللهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِما كانُوا يَفْعَلُونَ (١٥٩))
[الأنعام : ١٥٩]
ينعى الله على الذين فرقوا دينهم شيعا ، فلا تفريق في دين الله الجامع ، أي التسليم له ذاتا وصفات وأفعالا ، ولهذا قال سبحانه في موضع آخر : (إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللهِ الْإِسْلامُ) [آل عمران : ١٩] ، ومن يؤمن باسم دون اسم فهو مفرق ، فالتعصب والإسلام ضدان وعدوان لا يجتمعان ، وتجد الإسلام على مدى التاريخ دين السماحة واحترام الأديان جمعاء ، وهو يستوصي بالمؤمنين المخلصين من الأديان الأخرى خيرا ، وما سبب النجاح الإسلامي في البلاد التي فتحها وانتشر فيها سوى احترامه حرية الأديان ، وحرية المتدينين بل ملل هذه الأديان ، وتجد اليهود والنصارى والفرق الأخرى أحرارا في هذه البلاد لهم ما للمسلمين ، وعليهم ما عليهم ، وما سبب فشل كل الفتوحات غير الإسلامية التي كانت بالقوة سوى عدم احترامها حرية الغير وحرية أهل البلاد المفتوحة واعتماد الفاتحين مبادئ غير المبادئ الإسلامية والإنسانية القائمة على العدل والمساواة.
١٦٠ ـ (مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها وَمَنْ جاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلا يُجْزى إِلاَّ مِثْلَها وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ (١٦٠))
[الأنعام : ١٦٠]
الحسنة الإسلام ، وهو أول درجة من سلم التوحيد كما قال سبحانه : (قالَتِ الْأَعْرابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمانُ فِي قُلُوبِكُمْ) [الحجرات : ١٤] ، والحسنة أيضا اسم من أسمائه تعالى الجمالية كأن يكون المرء حليما أو كريما أو عفيفا أو أمينا ، ولهذا قال صلىاللهعليهوسلم : (خياركم في الجاهلية خياركم في الإسلام) ، فالإيمان باسم يفضي إلى انفجار نور الإيمان في القلب ، وهذه هي الدرجة الثانية من سلم التوحيد ، وهي التي عناها سبحانه بقوله في الآية المذكورة سابقا وهي : (وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمانُ فِي قُلُوبِكُمْ ،) فهذا الإيمان نور يجعل في القلب ، فيخرجه من ظلمات الجهل والشرك ... وهناك العروج إلى مرتبة ثالثة وهي الإحسان ، وهي التي يعبد فيها الإنسان الله كأنه يراه ... ثم هناك مرتبة المكاشفة ، ثم مرتبة المشاهدة ، ثم مرتبة الفناء ، ثم مرتبة البقاء بعد الفناء ، فالحسنة قد أتت إذا بعشر أمثالها.
أما السيئة فلا يجزى صاحبها إلا مثلها ، والسبب أن صاحب الاسم الجلالي كالقاهر أو المذل أو المنتقم هو في قبضة هذا الاسم لا يتعداه إلى سواه ، ولهذا كان جزاؤه نتاج هذا الاسم الجلالي ، وهو من الأسماء الظلمانية الحاجبة.