١٤ ـ (قالَ أَنْظِرْنِي إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (١٤))
[الأعراف : ١٤]
أنظرني أي أمهلني ، والمهلة محدودة بدءا من مولد الإنسان وحتى ساعة قيامة المؤمن الذي بلغ مقام الإحسان من نوم الغفلة في فجر اليقين ، فالقلب متقلب بين شطري النور والظلمة بإذن الله بقصد فلق المعقولات إلى أن يشاء الله أن يخرجه من جهنم الحجاب والبعد إلى نعيم المعرفة والقرب ، ولهذا ختمت الآية بالقول : (إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ ،) فمتى بعث المراد السالك كف إبليس عن تمثيل دور التضاد ، واستغفر وأناب وأعلن أنه يعلم من الله مالا يعلم أولياؤه من البشر.
١٥ ، ١٧ ـ (قالَ إِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ (١٥) قالَ فَبِما أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِراطَكَ الْمُسْتَقِيمَ (١٦) ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمانِهِمْ وَعَنْ شَمائِلِهِمْ وَلا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شاكِرِينَ (١٧))
[الأعراف : ١٥ ، ١٧]
قعود الصراط المستقيم قعود صراط الأسماء ، فكل اسم له نقيضه ، وكلاهما للآخر ضرورة لازمة ، فمن دون الكفر لا لزوم للإيمان ، ومن دون الجهل لا لزوم للعلم ، وكذلك وجود الشهوة ضرورة لوجود العفة ، ووجود الجبن ضرورة لوجود الشجاعة.
وقوله : (لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ) يعني هجوم إبليس على القلب من باب الوسوسة أي الصوت الخفي ، فلو لا العناية الربانية ونور الهدى لما نجا أحد من هيمنة إبليس وسلطانه ، وإلى هذا أشار صلىاللهعليهوسلم قائلا : (لكل امرئ قرينة من الجن ، قالوا : حتى أنت يا رسول الله؟ قال : حتى أنا ، إلا أن الله أعانني عليه فأسلم).
وقوله : (وَعَنْ أَيْمانِهِمْ وَعَنْ شَمائِلِهِمْ) يعني دخول إبليس حتى في قلوب أصحاب اليمين ، أو من قبل الخاطر النفسي والملكي ، ولهذا قال سبحانه في موضع آخر : (وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِيٍّ إِلَّا إِذا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنْسَخُ اللهُ ما يُلْقِي الشَّيْطانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللهُ آياتِهِ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) (٥٢) [الحجّ : ٥٢] ، فحتى الأنبياء لم يسلموا من الوسوسة ولكن الحق هو الحافظ مما يلقيه الشيطان.
١٨ ـ (قالَ اخْرُجْ مِنْها مَذْؤُماً مَدْحُوراً لَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكُمْ أَجْمَعِينَ (١٨))
[الأعراف : ١٨]
الخروج بدء انتشار الأشعة التي تشكل عالم الكثرة ، والحديث يعني أن الحوار الذي سبق وروده هو حوار قبلي جرى بين شطري الذات ، كما قال فشته : إن الواحد يضع بنفسه مقابل ذاته جزءا من طاقته ابتغاء أن يتغلب على ذاته ، أي أن يكتسب حياة بهذا الغزو المستمر الذي