٣٨ ـ (قالَ ادْخُلُوا فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ فِي النَّارِ كُلَّما دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَعَنَتْ أُخْتَها حَتَّى إِذَا ادَّارَكُوا فِيها جَمِيعاً قالَتْ أُخْراهُمْ لِأُولاهُمْ رَبَّنا هؤُلاءِ أَضَلُّونا فَآتِهِمْ عَذاباً ضِعْفاً مِنَ النَّارِ قالَ لِكُلٍّ ضِعْفٌ وَلكِنْ لا تَعْلَمُونَ (٣٨))
[الأعراف : ٣٨]
تفسر الآية ما أوردناه من حديث عن المحجوبين في الآية السابقة ، فإن لم يعرف الإنسان ربه بمعرفته بنفسه فلن يعرفه أبدا ، ومن لم يشاهد وجه الله الظاهر في المظاهر فلن يشاهده في الآخرة ، ولهذا جاء في الآية : (ادْخُلُوا فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ ،) والأمم جمع أي الناس قاطبة ، وقال الإمام الغزالي : من لم يسافر إلى عالم الملكوت ، وقعد به القصور في عالم الشهادة فهو بهيمة بعد ، محروم من خاصية الإنسان ، بل أضل من البهيمة.
٣٩ ـ (وَقالَتْ أُولاهُمْ لِأُخْراهُمْ فَما كانَ لَكُمْ عَلَيْنا مِنْ فَضْلٍ فَذُوقُوا الْعَذابَ بِما كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ (٣٩))
[الأعراف : ٣٩]
قوله سبحانه : (وَقالَتْ أُولاهُمْ لِأُخْراهُمْ) يذكر باسميه تعالى هو الأول والآخر ، فعند انكشاف حقيقة الوجود فلا وجود إلا للحي القيوم ، وإذا الناس سكارى بعد هذا الكشف الملكوتي وما هم بسكارى ، والإشارة إلى الذات الجامعة الحاوية للذوات الجزئية المستهلكة في عين الجمع.
٤٠ ـ (إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْها لا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوابُ السَّماءِ وَلا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِياطِ وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُجْرِمِينَ (٤٠))
[الأعراف : ٤٠]
السماء سماء المثل والمعاني ، وتفتحها انكشاف حقيقة التضاد الكامنة في هذه المعاني ، والأمر عظيم ودقيق ، إذ من قبل ، بكسر القاف ، النفس وحوارها وتذبذبها بين الفجور والتقوى يكشف النقاب فإذا كل حوار يرد إلى المصدر الإلهي ، وإذا الأبيض كالأسود ، وإذا الجميع في القبضة عبيد مربوبون ، ولدقة الكشف وهول المطلع ضرب الله له مثلا دخول الجمل في سم الخياط ، فإن لم يرحم الله عبده فلا وصول لأحد إليه ، ولا نصيب لأحد للاطلاع كشفا على غيبه ، سبحانه هو الظاهر والباطن.
٤١ ، ٤٢ ـ (لَهُمْ مِنْ جَهَنَّمَ مِهادٌ وَمِنْ فَوْقِهِمْ غَواشٍ وَكَذلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ (٤١) وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لا نُكَلِّفُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَها أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيها خالِدُونَ (٤٢))
[الأعراف : ٤١ ، ٤٢]
الغواشي الأغطية ، وغطاء الإنسان اسمه ، واسمه حاو له فلا طاقة له على الخروج عليه ، والموصوف من الصفة ، ولذلك جاء في الآية : (لا نُكَلِّفُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها ،) والوسع الوعاء