من نفس إلا وقد علم منزلها من الجنة والنار ، قالوا : يا رسول الله فلم نعمل ، أفلا نتكل؟ قال : اعملوا فكلّ ميسر لما خلق له) ، وقالوا أيضا : يا رسول الله بين لنا ديننا كأنا خلقنا الآن ، وفيم العمل اليوم أفيما جفت به الأقلام وجرت به المقادير ، أم فيما نستقبل؟ قال : (لا ، بل فيما جفت به الأقلام وجرت به المقادير ، قيل : ففيم العمل؟ قال : كل عامل ميسر لعمله).
٤٧ ـ (وَإِذا صُرِفَتْ أَبْصارُهُمْ تِلْقاءَ أَصْحابِ النَّارِ قالُوا رَبَّنا لا تَجْعَلْنا مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (٤٧))
[الأعراف : ٤٧]
قول رجال الأعراف : (رَبَّنا لا تَجْعَلْنا مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) سببه تحقق العارف بأن التقادير قضت بما قضت ، وأنه قد رحم هو بالرحمة الإلهية التي اصطفته وطهرته واصطفته على العالمين ، وأنه لو لا الاصطفاء الإلهي ما كان له أن يهدى ، ولا أن يضل ، ولا أن يتحقق ، وأنه لو شاء الله لجعل موسى مكان فرعون ، وجعل فرعون مكان موسى ، له الملك في الدارين ، حر يفعل في ملكه ما يشاء ، وجاء في الأمثال : لا تلم أخاك واحمد ربا عافاك ، وقال الإمام الغزالي : كم من لائم ملوم ، وكم من ملوم لا ذنب له.
٤٨ ، ٤٩ ـ (وَنادى أَصْحابُ الْأَعْرافِ رِجالاً يَعْرِفُونَهُمْ بِسِيماهُمْ قالُوا ما أَغْنى عَنْكُمْ جَمْعُكُمْ وَما كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ (٤٨) أَهؤُلاءِ الَّذِينَ أَقْسَمْتُمْ لا يَنالُهُمُ اللهُ بِرَحْمَةٍ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ لا خَوْفٌ عَلَيْكُمْ وَلا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ (٤٩))
[الأعراف : ٤٨ ، ٤٩]
الخطاب موجه من أصحاب اليقين ، وهم العارفون ، إلى أصحاب النار المبعدين ، وقوله : (يَعْرِفُونَهُمْ بِسِيماهُمْ ،) إشارة إلى الفراسة التي هي نور يجعله الله في قلب عبده المحسن يكشف به معادن الناس ، ويقرأ الخواطر ، قال صلىاللهعليهوسلم : (اتقوا فراسة المؤمن فإنه يرى بنور ربه).
٥٠ ـ (وَنادى أَصْحابُ النَّارِ أَصْحابَ الْجَنَّةِ أَنْ أَفِيضُوا عَلَيْنا مِنَ الْماءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللهُ قالُوا إِنَّ اللهَ حَرَّمَهُما عَلَى الْكافِرِينَ (٥٠))
[الأعراف : ٥٠]
الماء علم الشريعة ، والرزق علم الحقيقة ، وكلاهما من عند الله ، وكلاهما محرم على الكافرين ، وهذا التحريم حرمان في الحقيقة ، فما دام صاحب الاسم رهين اسمه وخاطره فاسمه يمنعه من الإصغاء إلى صوت العلم الذي هو الوحي الموجود في الذات ، ولهذا ختمت الآية بالقول : (إِنَّ اللهَ حَرَّمَهُما عَلَى الْكافِرِينَ ،) فكل كافر محجوب عن سماع صوت الحق والضمير ، وإن حدثه ضميره لا ينصت له ولا يأبه.
٥١ ، ٥٢ ـ (الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَهْواً وَلَعِباً وَغَرَّتْهُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا فَالْيَوْمَ نَنْساهُمْ كَما نَسُوا لِقاءَ يَوْمِهِمْ هذا وَما كانُوا بِآياتِنا يَجْحَدُونَ (٥١) وَلَقَدْ جِئْناهُمْ بِكِتابٍ فَصَّلْناهُ عَلى