عِلْمٍ هُدىً وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (٥٢))
[الأعراف : ٥١ ، ٥٢]
اتباع صوت الضلال الداعي إلى اللهو ومد العينين إلى زينة الحياة الدنيا ، وقوله : (فَالْيَوْمَ نَنْساهُمْ كَما نَسُوا لِقاءَ يَوْمِهِمْ هذا) يعني أن بين الهدى والضلال حجاب لا يمكن رفعه ، وعند ما ينفخ في صور الهداية الحقانية فإن الكافرين لا يلتفتون لأنهم منسيون ، ولأنهم في الأصل ناسون.
٥٣ ـ (هَلْ يَنْظُرُونَ إِلاَّ تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ مِنْ قَبْلُ قَدْ جاءَتْ رُسُلُ رَبِّنا بِالْحَقِّ فَهَلْ لَنا مِنْ شُفَعاءَ فَيَشْفَعُوا لَنا أَوْ نُرَدُّ فَنَعْمَلَ غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ قَدْ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ (٥٣))
[الأعراف : ٥٣]
قال سبحانه في التأويل : (وَما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ) [آل عمران : ٧] ، فخص الراسخين في العلم بهذا العلم ، وقال الإمام الغزالي : إن لم يكن العلماء هم الأولياء فليس لله من ولي ، وقال عليهالسلام : (العلماء ورثة الأنبياء) ، فالعلماء الإلهيون هم أصحاب التأويل الذين يكشفون النقاب عن المحكم من الآيات ، ويبنون على هذا الحكم بنيانهم كما فعل الغزالي في الإحياء ، وكما فعل ابن عربي في الفتوحات ، وإذا الناسون الذين اتبعوا صوت الضلالة يكتشفون أنهم مدرجون في الدائرة الوجودية الأسمائية علموا ذلك أم جهلوا ، شاؤوا أم أبوا ، ولهذا فهم يتساءلون فهل لنا من شفعاء فيشفعوا لنا أو نرد فنعمل غير الذي كنا نعمل.
٥٤ ـ (إِنَّ رَبَّكُمُ اللهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثاً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّراتٍ بِأَمْرِهِ أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبارَكَ اللهُ رَبُّ الْعالَمِينَ (٥٤))
[الأعراف : ٥٤]
الأيام الستة دورة من دورات الزمان الوجودي الخارج على الزمان المكاني ، أي الزمان المرتبط بحركة الأجرام كالشمس والقمر ، فالزمان الإلهي لا يدرج في حساب الساعات والأيام والسنين ، بل الساعات والأيام والسنون جزء منه ونشاط من نشاطاته ، ولهذا وصف سبحانه زمانه الإلهي هذا في موضع آخر قائلا : (تَعْرُجُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كانَ مِقْدارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ (٤)) [المعارج : ٤].
فاليوم الإلهي هو الزمان النسبي الذي تحدث عنه أينشتاين ، موضحا بلغة العلم أن زماننا الذي نعرفه خاص بنا وحدنا ، وأن للكون زمانا آخر هو الزمان النسبي ، فلو أن إنسانا دخل في فلك من أفلاك الأجرام البعيدة ، وعاش هناك شهرين فقط ، ثم عاد إلى الأرض ، لوجد أن