الشهرين اللذين عاشهما في الفلك الأقصى يعدلان مثلا مائتي عاما من أعوام الأرض ، بسبب اختلاف الجاذبية ودورات الأجرام ، ولوجد على الأرض أناسا جددا غير الذين عرفهم ، ولوجد كل من عرفهم قد ماتوا.
والمهم القول إن الأيام الستة التي تم فيها خلق السموات والأرض هي أيام وجودية إلهية سابقة لمقولتي الزمان والمكان المعروفين ، ولقد اختلفت الفلاسفة في كون العالم المادي قديما قدم الخالق أم محدثا بعده ، وكان أرسطو هو الفيلسوف القائل بقدم المادة ، ورد عليه الإمام الغزالي في كتابه الشهير" تهافت الفلاسفة" مبينا خطل آرائه ، والحقيقة أن الصوفية أمثال ابن عربي لا يرون للوجود العياني وجودا حقيقيا ويقولون إنه مجرد وجود شبحي يظهر به الموجود الأصيل الذي هو الحق سبحانه ، وفي زماننا الحديث أوردنا من قبل المكتشفات العلمية التي أثبتت أن العالم المادي ليس قديما ، وإنه محدث بعد انفجار سديم ضوئي أول ، كما بينت العلماء أن العالم المادي هو عالم ذري مؤلف من كهارب موجبة وسالبة وفوتونات ونيوترينات ونيوترينات مضادة ، وأن ثمة جسيمات دقيقة لا وزن لها غامضة تشكل بنية الوجود كله ، وتتحكم فيه ، وقالت العلماء إن خلف كل ما نراه من أشكال مادية ليس ثمت إلا معادلات عقلية أخرجت هذا العالم ، وما زالت تخرجه بالتكثف ساعة بعد ساعة بل لحظة بعد لحظة. هكذا قال العالمان أدينغتون وجينز ، وقال أدينغتون مادة العالم هي مادة عقلية ، والمادة العقلية ليست منتشرة عبر الزمان والمكان بل الزمان والمكان جزء من المخطط الدوري الذي هو في نهاية المطاف مشتق من المادة العقلية نفسها أنظر كتابنا" الإنسان الكامل".
وقوله : (ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ) يعني فعل القيومية الحية في العالم المادي ، فالعرش العالم المادي ، والاستواء الفعل والسلطان على هذا الفعل. وقوله : (يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهارَ) يعني هيمنة القيومية الإلهية الخفية التي رمز إليها بالليل على عالم العيان الذي رمز إليه بالنهار ، وفي التفاسير أن الليل والنهار يغطى كل منهما الآخر ، وأيدت الصوفية هذا التفسير عند ما أطلقوا معادلة الحق ، الخلق ، فوجه هو الحق ، ووجه هو الخلق ، فالحق باطن الخلق ، والخلق ظاهر الحق ، وقد تقلب الآية أيضا ، حتى أن هيغل فيلسوف الديالكتيك نفى أن يكون ثم فاصل بين الروح والعالم مطلقا شعاره المشهور الذي جعله عنوان كتاب له فسماه «ظاهريات الروح».
وقوله : (وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّراتٍ بِأَمْرِهِ) يذكر بقول يوسف عليهالسلام ، لما قص على أبيه رؤياه فقال : (إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي ساجِدِينَ) [يوسف : ٤] ، وسبق أن أوردنا قول الإمام الغزالي : المراد بالكواكب والشمس والقمر أنوار هي حجب الله ولم يرد هذه المعروفات ، وعلى هذا فالشمس إذا ما أولت كحجاب كانت