وصياغته في قالب اجتماعي معين ، يتحقق فيه التوازن الإجتماعي الضروري للحياة. ومجمل القول إن أصحاب هذه النظريات ينفون أن يكون الضمير ذا مصدر إلهي وأن يكون هو صوت الله والحقيقة ، كما كان يرى الفيلسوف كانط الذي قال : شيئان يملآنني إعجابا النجوم فوق رأسي وضميري في داخلي. وفلسفة كانط تقوم على أن الضمير الذي هو صوت الكلي وصاحب القانون الأخلاقي العام ، هذا الصوت هو الذي يعد دليلا على الله ، ويعد هو نفسه دليلا على وجوده.
٦٩ ـ (أَوَعَجِبْتُمْ أَنْ جاءَكُمْ ذِكْرٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَلى رَجُلٍ مِنْكُمْ لِيُنْذِرَكُمْ وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفاءَ مِنْ بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ وَزادَكُمْ فِي الْخَلْقِ بَصْطَةً فَاذْكُرُوا آلاءَ اللهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (٦٩))
[الأعراف : ٦٩]
الخطاب موجه من الحق إلى الخلق ، وكيف أرسل الحق رسله من الخواطر الإلهية والملكية إلى القلب ليعظه ويذكر بربه.
وقوله : (إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفاءَ) يعني كون الإنسان خليفة الله في أرضه ، وهذه الخلافة هي التي فوضت الإنسان في استعمال قواه وإمكاناته الإلهية لإعمار الأرض ، ومعنى الخلافة أنه مستخلف ، أي خلفه في الحكم كما سمي أبو بكر خليفة رسول الله ، فأبو بكر قام مقام النبي صلىاللهعليهوسلم ، وناب منابه في الحكم ، وإلا فهو شخصيا وغيره من الخلفاء ليس لهم من الأمر شيء سوى هذا التفويض. ولهذا السبب نجد الحق يحذر الخلق نفسه التي هي نفوسهم ، ونفسه مصدر نفوسهم ، وهي المستقر والمستودع. وهذا هو معنى وزادكم في الخلق بسطة ، وذلك باستواء الإنسان الذي أوتي هبة العقل الذي هو وعي إلهي ، فتمكن به من القيام بمهمة الاستخلاف المقدسة مثلما يتمكن الخليفة والسلطان من حكم الناس بما له من صلاحيات وأعوان وحاشية وجيش وأموال.
٧٠ ـ (قالُوا أَجِئْتَنا لِنَعْبُدَ اللهَ وَحْدَهُ وَنَذَرَ ما كانَ يَعْبُدُ آباؤُنا فَأْتِنا بِما تَعِدُنا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (٧٠))
[الأعراف : ٧٠]
تؤكد الآية تأويلنا السابق بقول عاد قوم هود : (أَجِئْتَنا لِنَعْبُدَ اللهَ وَحْدَهُ وَنَذَرَ ما كانَ يَعْبُدُ آباؤُنا) وما كان يعبد آباؤهم هو الشرك والوثنية التي تضع مكان الله آلهة أخرى تعبد مثل أصنام مظاهر الصفات ، والمعركة قديمة ومستمرة بين عبادة الأنا الظاهرية وبين عبادة الأنا الباطنية التي هي أم الظواهر وأس الوجود ، والتي لها الخلق والأمر.