٧١ ـ (قالَ قَدْ وَقَعَ عَلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ رِجْسٌ وَغَضَبٌ أَتُجادِلُونَنِي فِي أَسْماءٍ سَمَّيْتُمُوها أَنْتُمْ وَآباؤُكُمْ ما نَزَّلَ اللهُ بِها مِنْ سُلْطانٍ فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ (٧١))
[الأعراف : ٧١]
الأسماء أسماء المعقولات نفسها وادعاء الإنسان ملكيته لها ، وحذرت أعلام الصوفية من الدعوى الإنسانية التي تجعل المؤمن يتباهى بصلاته وصومه ، والمحسن بعطائه ، والحليم بعفوه عمن جهل عليه إلى آخر الصفات والأخلاق التي هي منّة من الله على عباده وفضل ، ومع هذا تبقى دعوى كون الصفات إنسانية وصمة عار في جبين الإنسانية. فمن هو الإنسان حتى يدعي أن إنسانيته العامة منه؟ وكيف يعجب صاحب العمل بعمله والعمل أصلا ليس له بل لله ، وللعبد الكسب فقط؟
٧٢ ـ (فَأَنْجَيْناهُ وَالَّذِينَ مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَقَطَعْنا دابِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَما كانُوا مُؤْمِنِينَ (٧٢))
[الأعراف : ٧٢]
الرحمة النور الذي يفجر القلب فيعلم الإنسان حقيقة الإيمان ثم الإحسان الذي هو علم اليقين والتوحيد. على هذا فالنجاة محددة لأصحاب نور اليقين الذي يجعل الإنسان على سور الأعراف حيث يرى أصحاب اليمين وأصحاب الشمال ، وكل له عبيد. ولهذا شددت الصوفية على ضرورة بلوغ مقام الكشف والذوق العرفاني ، لينجو الإنسان من الشرك الخفي الذي وصفه العارف بالله أرسلان الدمشقي قائلا : كلك شرك خفي. وقال أيضا : الإيمان خروجك عنهم ، واليقين خروجك عنك.
٧٣ ـ (وَإِلى ثَمُودَ أَخاهُمْ صالِحاً قالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ قَدْ جاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ هذِهِ ناقَةُ اللهِ لَكُمْ آيَةً فَذَرُوها تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللهِ وَلا تَمَسُّوها بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (٧٣))
[الأعراف : ٧٣]
ناقة الله الجسم الكلي ، وهو الهيولى أو عالم العناصر ، والمخلوق الذي نفخ فيه من روح اسمه سبحانه الحي. فالدابة كل ما يرى المكاشف بعد خروجه من شرنقة نفسه وبعد التفكر في خلق السموات والأرض.
وأكل الدابة في أرض الله ما يناله العقل الهيولاني من ملاقط الحواس ظاهرة وباطنة ، إذ أنه سبحانه ما خلق عقل الدابة إلا ليعقل عالمه الظاهري هذا ، ويستخرج معقولاته منه.
وقوله : (وَلا تَمَسُّوها بِسُوءٍ) يعني عدم حشر العقل الهيولاني في حدود تؤذيه ، فهذا العقل مسخر بالفطرة لمعرفة الله ، وكل سعي إلى معرفة لا تؤدي إلى معرفة الله هو بمثابة مس هذا العقل بسوء. فالكافر المحجوب أضل سبيلا من الأنعام غير العاقلة التي تملأ الأرض.