والعذاب العظيم الذي يأخذ الكفار حيرتهم وضلالهم في هذا العالم الذي ردوه إلى خالق غير الله وسموه الطبيعة ، أو كما فعلوا في الزمن القديم حين جعلوا لله آلهة ، وخصوا كل إله بنصيب من الخلق كإله الفصول ، وإله الرعد ، وإله المطر ، وإله الحرب ، وإلهة الحب ، وإلهة الصيد ، وإلهة الحظ.
٧٤ ـ (وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفاءَ مِنْ بَعْدِ عادٍ وَبَوَّأَكُمْ فِي الْأَرْضِ تَتَّخِذُونَ مِنْ سُهُولِها قُصُوراً وَتَنْحِتُونَ الْجِبالَ بُيُوتاً فَاذْكُرُوا آلاءَ اللهِ وَلا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ (٧٤))
[الأعراف : ٧٤]
الخلافة العقل الهيولاني الذي تبوأ مكانته في الدنيا فهو فيها سلطان زعيم ، وكيف لا يكون الأمر كذلك والإنسان سيد المخلوقات قد عنت وجوهها له ، تعينه وتخدمه وتطأطىء رؤوسها له.
واتخاذ السهول قصورا يعني السكن إلى المعقولات المفتقة بالتجريد العقلاني فترى صاحب الصفة مستريحا إلى صفته ، متباهيا بها ، ناعما بخيرها ، وجيها في الناس ممدوحا.
ونحت الجبال بيوتا تتمة للمعنى الأول ، فهو التنعم بالمعقولات الجمالية والخلال الحميدة. وقوله : (فَاذْكُرُوا آلاءَ اللهِ) تحذير من أن يقطف الإنسان الثمرة ، وينسى فضل الشجرة الإلهية التي قدمت تلك الثمار. وإلا فما الذي يفسر سبب كون القوي قويا ، والعزيز معزا ، والشجاع شجاعا ، والعقل الهيولاني في الناس واحد ، ومع هذا يقال في البخيل الداخل إلى جيبه مفقود والخارج مولود ، في حين يرى البخيل أن الخروج عن ماله حمق ، وأن الحكمة أن يدخر المرء قرشه الأبيض ليومه الأسود ، وأن المال عماد الحياة وزينتها ، وأن من لا مال له لا وزن له ، وهو مستصغر محتقر لا شأن له ، في حين نجد حاتم الطائي ينشد قائلا :
أماويّ إن المال غاد ورائح |
|
ويبقى من المال الأحاديث والذكر |
أماويّ إني لا أقول لسائل |
|
إذا جاء يوما حل في مالنا النذر |
أماويّ إما مانع فمبينّ |
|
وإما عطاء لا ينهنه الزجر |
أماويّ أن يصبح صداي بقفرة |
|
من الأرض لا ماء لديّ ولا خمر |
تري أن ما أنفقت لم يك ضرني |
|
وأن يدي مما بخلت به صفر |
٧٥ ، ٧٦ ـ (قالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِمَنْ آمَنَ مِنْهُمْ أَتَعْلَمُونَ أَنَّ صالِحاً مُرْسَلٌ مِنْ رَبِّهِ قالُوا إِنَّا بِما أُرْسِلَ بِهِ مُؤْمِنُونَ (٧٥) قالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا بِالَّذِي آمَنْتُمْ بِهِ كافِرُونَ (٧٦))
[الأعراف : ٧٥ ، ٧٦]