الفاحشة دعوى كون الفعل للإنسان ، وهي من أكبر الكبائر عند الله. يكفي الإنسان أن يرى إلى الرضيع وهو في القماط كيف هيئت له الأسباب من أم تحضنه وترضعه وتحيطه بأسباب الرعاية والحنان ، وأب يمده بالقوت والدعم حتى يبلغ أشده ، ويكفي أن يذكر الطريق التي يسلكها الطفل حتى يصير شابا فرجلا قويا ... يكفي أن يلاحظ الإنسان هذا حتى يتذكر أن الله الذي خلق الإنسان هيأ له الأسباب أيضا كالرزق الذي تمده به الأرض لغذائه وجوارحه التي هي طوع أمره ، وحواسه ظاهرة وباطنة التي هي جسر بينه وبين العالم الخارجي ، وعقله الذي هو نور ووعي وإدراك. فما الإنسان من دون الله وقدرة الله؟
وضرب الله مثلا لإنكار كون الحق الفاعل لا الإنسان إتيان الرجال شهوة ، أي أن يفعلوا فيهم ، في حين أن الطبيعي أن يأتي الرجال النساء ، والرجل فاعل ، والمرأة منفعلة ، وعلى هذا فالروح الكلي هو كالرجل وهو الفاعل الموجب ، وعالم العيان والنفس الكلية هما كالمرأة وهما المنفعل والسالب ... والنتيجة أن كل مخلوق هو مثل الأنثى منفعل وسالب ، والروح هو الفاعل فيه ، علم ذلك أم جهل ، وأقر بهذا أم أنكر.
٨٢ ـ (وَما كانَ جَوابَ قَوْمِهِ إِلاَّ أَنْ قالُوا أَخْرِجُوهُمْ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُناسٌ يَتَطَهَّرُونَ (٨٢))
[الأعراف : ٨٢]
الإخراج من القرية إنكار أن يكون الروح الكلي هو الفاعل في البدن وقواه.
٨٣ ـ (فَأَنْجَيْناهُ وَأَهْلَهُ إِلاَّ امْرَأَتَهُ كانَتْ مِنَ الْغابِرِينَ (٨٣))
[الأعراف : ٨٣]
نجاة صالح نجاة ممثل اسم الروح من عالم الفساد والعناصر ودعوى ملكية الأنية. وأهل صالح قواه وحواسه التي صارت بعد النجاة تحيا بالروح لا بالنفس ودعواها. وامرأة صالح النفس الجزئية التي مصيرها الهلاك إن هي ظلت بمنأى عن الله بعيدة عن نداء الروح ، متمرسة بنفسها ، لا تريد الخروج من شرنقة البدن.
٨٤ ـ (وَأَمْطَرْنا عَلَيْهِمْ مَطَراً فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ (٨٤))
[الأعراف : ٨٤]
كما أن الحق يغيث المؤمنين بمطر هو الرحمة كقوله سبحانه في موضع آخر : (يُرْسِلِ السَّماءَ عَلَيْكُمْ مِدْراراً) [هود : ٥٢] كذلك فإن الحق يمطر نوعا آخر من المطر هو الغضب فالمطر الأول للقرب والمطر الثاني للبعد ، فالرحمة أن يقرب الله عبده نجيا ، والغضب أن يحجبه عنه ويبعده.
٨٥ ـ (وَإِلى مَدْيَنَ أَخاهُمْ شُعَيْباً قالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ قَدْ جاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزانَ وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْياءَهُمْ وَلا