٩٩ ـ (أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللهِ فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْخاسِرُونَ (٩٩))
[الأعراف : ٩٩]
المكر الإلهي كون القلب في قبضة الرحمن يقلبه كيف يشاء. فالمدخل والتقلب والمخرج منه وله وبه سبحانه ، والمكر حاصل بسبب الوعي الإنساني الذي وصفه فيلسوف فقال : ينصب الروح على الدماغ ذلك النسيج المعقد من الخلايا فينتج القدرة على الإدراك ، فالوعي حدث فيزيولوجي بحت مرتبط بوجود الدماغ ، ومن دون الدماغ ليس ثمة وعي. والأنا الجزئية واعية أنها أنا ، ووعيها هذا حجابها ، ويقوم المكر الإلهي بعمله إذ يأخذ القلب في تقلبه يمينا وشمالا بينما يحسب صاحبه أنه هو الذي يتجه يمينا وشمالا. ولهذا ما خافت الصوفية شيئا مثل خوفهم المكر الإلهي. ولقد قالت أم المؤمنين عائشة رضى الله عنها للنبي صلىاللهعليهوسلم يوما لما رأته أطال الصلاة وقيام الليل : (أولم يغفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟ فقال : أوما يؤمنني أن القلب مثل ريشة في الفلاة تقلبها الريح كيف تشاء؟).
والصوفية يتبعون الله وكلهم خوف من المكر الإلهي أن يأخذهم وهم لا يشعرون. قال أبو يزيد البسطامي : لا يأمن قلب العارف من مكره وإن نودي بالغفران.
١٠٠ ، ١٠١ ـ (أَوَلَمْ يَهْدِ لِلَّذِينَ يَرِثُونَ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِ أَهْلِها أَنْ لَوْ نَشاءُ أَصَبْناهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَنَطْبَعُ عَلى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لا يَسْمَعُونَ (١٠٠) تِلْكَ الْقُرى نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبائِها وَلَقَدْ جاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ فَما كانُوا لِيُؤْمِنُوا بِما كَذَّبُوا مِنْ قَبْلُ كَذلِكَ يَطْبَعُ اللهُ عَلى قُلُوبِ الْكافِرِينَ (١٠١))
[الأعراف : ١٠٠ ، ١٠١]
وراثة الأرض من بعد أهلها حلول تعينات جديدة بعد هلاك تعينات قديمة هي ظهور الأسماء. ويحذر الله الوارثين من الغفلة والإقامة وراء الحجاب ، إذ الذنب العظيم هو دعوة الأنية والوجود. فبردّ الوجود الجزئي إلى صاحب الوجود ، وهو الوجود الكلي ، يكون الإنسان قد تبرأ من الحول والطول ورد العارية إلى صاحب العارية.
والطبع على القلب حكمه بالاسم. فكل متعين من الإنس هو نتاج طبع على القلب. والطبع ذاته فعل إلهي وصفه سبحانه في موضع آخر فقال : (يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ خَلْقاً مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ فِي ظُلُماتٍ ثَلاثٍ) [الزّمر : ٦] ، وقال صلىاللهعليهوسلم : (إن أحدكم يجمع في بطن أمه أربعين يوما ثم يكون علقة مثل ذلك ، ثم يكون مضغة مثل ذلك ، ثم يبعث الله ملكا فيؤمر بأربعة : برزقه وأجله وشقي أو سعيد ، ثم ينفخ فيه الروح). والشقاوة والسعادة هما عملية طبع القلب من قبل نفخ الروح في هيكل الإنسان. والطبع ذاته عملية عقلية يراد بها شحن الدائرة الأسمائية بقواها من الخير والشر إخراجا لمكنون الأسماء ومقتضياتها.