الكثرة والعشرة التي هي أساس الكثرة. فالكثرة النفوس الجزئية ، والعشرة الحواس ظاهرة وباطنة التي تصبح لدى المؤمن منقادة لنور الهو فيهديها سواء السبيل ، بعد أن كانت تعاني من التيه.
١٠٦ ـ (قالَ إِنْ كُنْتَ جِئْتَ بِآيَةٍ فَأْتِ بِها إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (١٠٦))
[الأعراف : ١٠٦]
الآية التي طلبها فرعون الدليل الذي يريده القلب من الضمير على أنه من عند الله لا خيال ولا صفارة الشرطي ولا الخوف من القاضي ، وسبق أن تحدثنا عن موقف الكفار من الضمير.
١٠٧ ـ (فَأَلْقى عَصاهُ فَإِذا هِيَ ثُعْبانٌ مُبِينٌ (١٠٧))
[الأعراف : ١٠٧]
العصا عصا القدرة الإلهية التي تظهرها شجرة المعرفة بعد نضوج ثمار المعقولات التي حصلها العقل المادي ، ولهذه العصا قصة ، ذلك أن الموحد كان مجاهدا جهادا أكبر وهو نفسه كما ذكر النبي ، فكان يعاني من انشقاق في نفسه وانشطار في ذاته. الضمير يناديه إلى اتباع الهدى ، والنفس الأمارة تناديه وتدعوه إلى التصامم عن سماع صوت الضمير ، وسلوك درب الغواية والشهوات ، وهو بينهما حائر معذب صابر متصابر ، يدعو الله جهرة وخفية وخيفة.
فإذا جاءت ليلة القدر ، وبشرت بطلوع صبح اليقين ، خرج مارد التوحيد من قمقم النفس ، فإذا الموحد يكتشف وجود الله في التضاد ، وقال السكندري : جعل الشيطان لك عدوا ليحوشك به إليه ، وحرك عليك النفس ليدوم إقبالك عليه. وقال الإمام النفري : يا عبد إذا رأيتني في الضدين رؤية واحدة فقد اصطفيتك لنفسي. وقال الغزالي : لما طلع فجر السعادة في فلك الإرادة أشرقت شمس الوصول على مصابيح الأصول ، فتبين الحق لأرباب الألباب ولذوي البصائر ، وأن كل لما طبع عليه راجع وصائر.
فالحق يطلع كالشمس من أفق الذات بعد بلوغ اليقين ، ويقول للعبد ها أنذا فلا تخف ولا تحزن ، فأنا خالق النفس ، وأنا خالق الشيطان ، والعملية مخططة والهدف منها إيقاظك وهديك ، فلو لا البعد ما عرفت القرب ، والبعد إلقاؤك في يمّ عالم العناصر والفساد ، وهذا التوحيد هو من العصا التي أخذها موسى من شعيب الروح.
١٠٨ ـ (وَنَزَعَ يَدَهُ فَإِذا هِيَ بَيْضاءُ لِلنَّاظِرِينَ (١٠٨))
[الأعراف : ١٠٨]
اليد البيضاء اليد النورانية التي تعلم الإنسان التوحيد بالقلم الملكوتي وقال فيها الإمام الغزالي : أول عالم الملكوت مشاهدة القلم الذي يكتب به العلم في لوح القلب وحصول اليقين الذي يمشي به على الماء.
وهذه اليد هي القبضة الحاكمة القاهرة فوق الوجود ، والتي تضع شعار لا إله إلا الله موضع التنفيذ ، أو كما يقال في الفلسفة تجعل ما هو بالقوة بالفعل ، فاليد الفاعلة وبالتالي فالفعل لله ،