كذا وكذا ، وكان يهش بها على غنمه ، ويدفع بها السباع عنها والحشرات والحيات ، وإذا سافر وضعها على عاتقه وعلق عليها جهازه ومتاعه ومخلاته ومقلاعه وكساءه وطعامه وشرابه.
وثمة قصص أخرى رواها ابن حيان وغيره ، وكلها تدل على أن لهذه العصا قدرة كلية قاهرة حاكمة كما أسلفنا القول.
١٢٠ ـ (وَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ ساجِدِينَ (١٢٠))
[الأعراف : ١٢٠]
سجود السحرة سجود المعقولات للقبضة القاهرة ، وهو أمر حتمي ما دامت المعقولات مضمنة أصلا في القبضة قبل الفتق ، وفتقها إخراجها من كونها بالقوة إلى كونها بالفعل على مسرح العيان. فسواء أقرت الفلاسفة بعلوم الدين ، أم لم يقروا ، فهم مدرجون في هذه العلوم منضوون تحتها بحكم القهر الذي لا يعلم سره إلا الراسخون في العلم. فليست القضية متعلقة بقبول علوم الدين أو رفضها ، بل هي متعلقة بكون علوم الدين صحيحة ذات أسس وجودية لا عوج فيها ولا خطأ ، لا ينال منها الزمان ولا تقلب الأحوال ، ولهذا تجد أقوال الأنبياء والأولياء والحكماء الالهيين خالدة ثابتة دائمة مادامت السموات والأرض.
١٢١ ، ١٢٢ ـ (قالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعالَمِينَ (١٢١) رَبِّ مُوسى وَهارُونَ (١٢٢))
[الأعراف : ١٢١ ، ١٢٢]
رب العالمين رب العلم اليقيني والعلم التجريبي ، إذ ما خلق سبحانه الوجود وما فيه إلا لحكمة ، قال ابن عربي : الفيلسوف ليس كل علمه باطلا وليس القول إن الفيلسوف لا دين له يدل على أن كل ما عنده باطل. وقال أيضا : الفلسفة معناها حب الحكمة ، وكل عاقل يحب الحكمة ، غير أن أهل الفكر خطؤهم في الإلهيات أكثر من إصابتهم.
١٢٣ ـ (قالَ فِرْعَوْنُ آمَنْتُمْ بِهِ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّ هذا لَمَكْرٌ مَكَرْتُمُوهُ فِي الْمَدِينَةِ لِتُخْرِجُوا مِنْها أَهْلَها فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ (١٢٣))
[الأعراف : ١٢٣]
اعتراض فرعون اعتراض النفس الأمارة على ما يقوله الوحي والضمير وعدم الإقرار بأصلهما الإلهي.
وقوله : (لِتُخْرِجُوا مِنْها أَهْلَها) يعني أن الوحي بظهوره في القلب يتلاشى القلب ، وتتقطع حبائل قواه ، ويرد إلى الله الملك ، فلا يبقى للإنسان صاحب الدعوى شيء. قال الشاعر :
رأيت خيال الظل أكثر عبرة |
|
لمن هو في علم الحقيقة راق |
شخوص وأشباح تمر وتنقضي |
|
ترى الكل يفنى والمحرك باق |
١٢٤ ـ (لَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلافٍ ثُمَّ لَأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ (١٢٤))
[الأعراف : ١٢٤]