تقطيع الأيدي والأرجل من خلاف ضرب المعقولات ببعضها بعضا حتى تذهب كلها ، كما تفعل الفلاسفة المحدثون الكافرون الطبيعيون الذين لا يقرون بوجود معقولات سابقة على الوجود ، هي الأصل والعيان الفرع ، وكان الفيلسوف كانط قد أقام فلسفته كلها على وجود هذه المعقولات التي سماها أفكارا قبلية ، ثم تبعه هيغل الذي قال : إن الوجود الظاهري كله هو ظهور الروح والكليات ، وإن الوجود ذاته مجموعة الكليات الأصيلة لا غير.
١٢٥ ـ (قالُوا إِنَّا إِلى رَبِّنا مُنْقَلِبُونَ (١٢٥))
[الأعراف : ١٢٥]
المعقولات إلهية حتى وإن نفى الإنسان أصلها الإلهي. ولهذا قالت الآية : (إنا إلى ربنا منقلبون). فنفي الخاطر وعدم الإقرار به بكونه إلهيا أو ملكيا أو نفسيا أو شيطانيا ، والإقرار بكونه خاطرا إنسانيا فقط ، أي من الأنا إلى الأنا دون الإعتراف بوجود روحي باطني يبطن الإنسان ، هذا النفي لا ينفي أصل الخاطر نفسه ... والدليل أن المجاهد الذي يجاهد نفسه يستمع صوتين صوت النفس وصوت الضمير ، وعلى مر الزمان يحصل المجاهد خبرة بعلم الخواطر ، وهذا ما عناه عليهالسلام بقوله : (إعرف نفسك). وهذا ما عناه سبحانه بقوله : (وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ) (٢١) [الذّاريات : ٢١]. وبسبب هذه الخبرة يميز المجاهد الخبيث من الطيب من الناس ، ويصير عالما بهم وبمعادنهم كما قال عمر رضى الله عنه : (لست بخب والخب لا يخدعني) ، وقول الإمام علي رضى الله عنه : (لو لا التقى لكنت أدهى العرب) ، وقول عمر في أبي بكر : (رحم الله أبا بكر ، فلقد كان أعلم مني بالرجال). والمهم القول : إن المجاهد يعرف نفسية الكافر والمنافق لأن صوت هذه النفس موجود فيه أيضا ، ولهذا قال ابن عطاء الله : حرك عليك النفس ليدوم إقبالك عليه. وبسبب هذه المعرفة قالت السحرة لفرعون : (إِنَّا إِلى رَبِّنا مُنْقَلِبُونَ).
١٢٦ ـ (وَما تَنْقِمُ مِنَّا إِلاَّ أَنْ آمَنَّا بِآياتِ رَبِّنا لَمَّا جاءَتْنا رَبَّنا أَفْرِغْ عَلَيْنا صَبْراً وَتَوَفَّنا مُسْلِمِينَ (١٢٦))
[الأعراف : ١٢٦]
الصبر هنا الصبر على المجاهدة ، وهو ضروري لتحصيل علم المعقولات فلا علم بلا جهاد ، ولهذا قال سبحانه في موضع آخر : (وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وارِدُها) [مريم : ٧١] أي جهنم التضاد.
وآيات الله التي جاءت السحرة وصفت بأنها آيات ربنا أي آيات الربوبية. وفي علم التصوف ورد الحديث عن علاقة الرب بالمربوب ، والمربوب بالرب ، فالريويية مرتبة تلي الأحدية فهي الواحدية ذات النسب والإضافات ، وهي المقام الذي تقبل فيه الذات الكثرة عن طريق القوابل والتعلقات. والآيات الربانية هي بدء تفتق المعقولات نفسها بعد المجاهدة ، حيث يستبين