المجاهد المعقولات الإلهية مثل الحق والخير والجمال ، فيصير له علم بالأسماء التي علمها الله آدم من قبل. فالربوبية بدء الهجرة إلى الله صعودا من حضيض الناسوت إلى سماء اللاهوت على أجنحة المعقولات نفسها. وإلا فكيف يفسر الإنسان إجماع الناس على الإقرار بوجود المعقولات نفسها كالحق والخير والعدل والرحمة والحنان والحلم وما إلى ذلك؟ وإنك لتجد الصغير يتقبل هذه المعقولات قبل الكبير ، وكذلك يفعل الحيوان الذي ينفر من القسوة ، ويتقبل من الإنسان المعاملة الحسنة والرفق والحب.
١٢٧ ـ (وَقالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ أَتَذَرُ مُوسى وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ قالَ سَنُقَتِّلُ أَبْناءَهُمْ وَنَسْتَحْيِي نِساءَهُمْ وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قاهِرُونَ (١٢٧))
[الأعراف : ١٢٧]
ترك موسى وقومه أحياء يعني ترك المعقولات الإلهية نفسها تحيا وتمارس دورها في الوجود. ولكم حاولت الكفار إزاحة دور الأخلاق والتربية جانبا ، واستبدال البطش بالرحمة والدم بالدمع والقوة بالعدل ، فمضت القرون ، وكرت الأعوام دون أن يتمكن ظالم مستبد من فرض مقولاته الجديدة على الناس. وكانت عجلة الدهر تدور لتجعل الظالم المستبد الذي كان في الأعلى ، في الأسفل ، وفي الأمثال : وعلى الباغي تدور الدوائر ، وقولهم : وما من ظالم إلا سيبلى بأظلم.
١٢٨ ، ١٢٩ ـ (قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُها مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَالْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ (١٢٨) قالُوا أُوذِينا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَأْتِيَنا وَمِنْ بَعْدِ ما جِئْتَنا قالَ عَسى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ (١٢٩))
[الأعراف : ١٢٨ ، ١٢٩]
تبقى معقولات الجمال هي السائدة في العالم ، وتقرن بها معقولات الجلال والظلمة كجزء ضروري متمم لعمل المعقولات الجمالية. وقال سبحانه في هذه المعقولات : (لَهُمُ الْبُشْرى فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَفِي الْآخِرَةِ لا تَبْدِيلَ لِكَلِماتِ اللهِ) [يونس : ٦٤].
١٣٠ ـ (وَلَقَدْ أَخَذْنا آلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ وَنَقْصٍ مِنَ الثَّمَراتِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ (١٣٠))
[الأعراف : ١٣٠]
السنون المصائب ومنها القحط. يقال في اللغة : أخذتنا سنة أو أصابتنا سنة أي أصابنا القحط. ونقص الثمرات نقص العلوم التي تحصّل من قبل الحواس فقط وعن طريق التجريد العقلي. وأكبر دليل على هذا بقاء الحيرة التي يتخبط فيها الإنسان وهو يجد نفسه وحيدا جاهلا أسرار هذا الوجود الذي وجد فيه ، وسدود مضروبة بينه وبين الغيوب.