١٣١ ، ١٣٢ ـ (فَإِذا جاءَتْهُمُ الْحَسَنَةُ قالُوا لَنا هذِهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُوا بِمُوسى وَمَنْ مَعَهُ أَلا إِنَّما طائِرُهُمْ عِنْدَ اللهِ وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ (١٣١) وَقالُوا مَهْما تَأْتِنا بِهِ مِنْ آيَةٍ لِتَسْحَرَنا بِها فَما نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ (١٣٢))
[الأعراف : ١٣١ ، ١٣٢]
قوله : (فَإِذا جاءَتْهُمُ الْحَسَنَةُ قالُوا لَنا هذِهِ) يعني ما يتمكن الفكر من تحصيله كما تفعل الفلاسفة ، وكل فيلسوف فرح بما حصّل ، علما أن الآية وصفت العملية الفكرية كلها بأنها حسنة من عند الله ، ولهذا الوصف لطيفة ذلك لأن الإنسان ما تميز عن البهائم إلا بفكره وتفكيره ، وعليه فإن هذا الإستثناء والتمييز اصطفاء رباني وفضل من الله عليه ، لأن ما من أحد استطاع كشف الغطاء عن أسرار عملية التفكير ذاتها ، وجلّ ما قالوا : إن الجسيمات أو الخلايا العصبية في الدماغ تتصادم فتنتج فكرا ، وهو قول لم تستطع العلوم إثباته ، ويقف الفكر والتفكير خارج نطاق مباضع الجراحين ، ويظل أنأى فلكا من مجاهر العلماء الباحثين.
وقوله : (وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُوا بِمُوسى وَمَنْ مَعَهُ) يعني اليأس الذي يصيب العلماء من إمكان كشف أسرار عالم الإنسان الفيزيولوجي والنفسي والدوران في حلقة مفرغة ، وهم مع ذلك لا يقرون بما يقوله العلماء المؤمنون الذين أعلنوا أن الروح هو الوجود الأصيل ، وأن المادة هي الوجود المضاف.
وقول الآية : (أَلا إِنَّما طائِرُهُمْ عِنْدَ اللهِ) يعني أن الكفر مثل الإيمان ، كلاهما من عند الله كما قال سبحانه : (هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنْكُمْ كافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ) [التغابن : ٢] ، إذ تقتضي الحكمة كما سبق أن قلنا : التضاد ، كما قالت الفلاسفة الألمان المحدثون فشته وشيلنغ وهيغل.
١٣٣ ـ (فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمُ الطُّوفانَ وَالْجَرادَ وَالْقُمَّلَ وَالضَّفادِعَ وَالدَّمَ آياتٍ مُفَصَّلاتٍ فَاسْتَكْبَرُوا وَكانُوا قَوْماً مُجْرِمِينَ (١٣٣))
[الأعراف : ١٣٣]
عرفت العرب التفسير الرمزي الإشاري واشتهروا به. ولقد اختلفوا في القمل ما هو ، وعن ابن عباس : هو السوس يخرج من الحنطة ، وعن أبي طلحة : إنه الذباب ، وقال مجاهد والسري وقتادة والكلبي : هو الجراد الطيارة التي لها أجنحة. وقال ابن عباس في الطوفان : هو الماء أرسل عليهم من السماء ، وقال مجاهد وعطاء : هو الموت الذريع الجارف ، وقال وهب : هو الطاعون بلغة أهل اليمن ، وقال أبو قلابة : هو الجدري ، فهم أي آل فرعون أول من عذب به ، فبقي في الأرض والجراد والقمل.