إبراهيم : (وَإِذِ ابْتَلى إِبْراهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِماتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قالَ إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً) [البقرة : ١٢٤] ، ثم الإحسان ، وهو رؤية وجهه سبحانه الجامع لليمين والشمال ، والذي هو الوجود الجامع للظاهر والباطن ، وإليه أشار البسطامي قائلا : إذا رآه العارفون أول مرة ، جعل لهم سوقا ما فيه بيع ولا شراء إلا الصور من الرجال والنساء ، فمن دخل منهم السوق لا يرجع إلى زيارة الله أبدا ، والإحسان هو مقام المكاشفة ، حيث يرقى العارج في سموات المقامات ، وأخيرا هناك درجة القربى وهي للمحققين المشاهدين ، وسمي هذا الكشف المشاهدة ، وفيها يتم فناء الذات الجزئية في الذات الكلية ، ويضمحل الرسم ، ويبقى الاسم وحده شاهدا على عظمة الذات الأحدية الظاهرة بالأسماء.
٥ ، ٦ ـ (كَما أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقاً مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكارِهُونَ (٥) يُجادِلُونَكَ فِي الْحَقِّ بَعْدَ ما تَبَيَّنَ كَأَنَّما يُساقُونَ إِلَى الْمَوْتِ وَهُمْ يَنْظُرُونَ (٦))
[الأنفال : ٥ ، ٦]
الإخراج من البيت بمثابة الإخراج من القلب ، حيث يجد العارج نفسه معلقا في السماء ، لا هو من أهل الأرض ، ولا من سكان السماء ، وهذا الخروج نفي الأنا برؤيتها وجه الله وظل الله ومجال الله المتحرك ، ويسمى هذا المقام الفناء حيث تفنى القطرة في البحر ، ويوهب العبد من ثم البقاء بالله.
٧ ، ٨ ـ (وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّها لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ وَيُرِيدُ اللهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِماتِهِ وَيَقْطَعَ دابِرَ الْكافِرِينَ (٧) لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْباطِلَ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ (٨))
[الأنفال : ٧ ، ٨]
هذا الدين دين الجهاد ، وكان أول ما أمر به النبي صلىاللهعليهوسلم بعد الدعوة هو الجهاد والمجاهدة ، وظاهرا يبدو الأمر بظهور المؤمنين على المشركين ، وباطنا هناك حركة الفلق الأسمائية ، إذ بينا أن الاسم لا ينفلق ما لم يجاهد المسلم المشرك أولا ، وسمى النبي صلىاللهعليهوسلم هذا الجهاد الجهاد الأصغر ، ثم يجاهد المسلم نفسه ثانيا ، وسمي النبي هذا الجهاد الجهاد الأكبر ، ومن دون الجهاد لا إسلام أي لا سلام ، ولهذا ارتبط الظفر بالبرد والسّلام اللذين فاز بهما إبراهيم عليهالسلام ، ارتبط بإلقاء إبراهيم في النار ، والنار نار التناقض ، والتناقض يعني المخالفة ثم المجاهدة فالذين يفرون من الجهاد ، ويرغبون عن النصب ، ويخافون الموت هم من الجاهلين لأن الله تابع قائلا : (وَيُرِيدُ اللهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِماتِهِ) والكلمات اقتضت الجهاد ، وإلا لما كان الله في حاجة إلى دعوة المسلمين إلى الجهاد ، وهو القائل : (وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً واحِدَةً) [هود : ١١٨] ، وقال : (وَلَوْ شاءَ لَهَداكُمْ أَجْمَعِينَ) [النّحل : ٩].