وقوله : (فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْناقِ) إشارة إلى الرأس والدماغ الذي في الرأس ، والضرب إلاحاطة بقوى الدماغ وجعلها ملكا لله.
١٧ ، ١٨ ـ (فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلكِنَّ اللهَ قَتَلَهُمْ وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلكِنَّ اللهَ رَمى وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلاءً حَسَناً إِنَّ اللهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (١٧) ذلِكُمْ وَأَنَّ اللهَ مُوهِنُ كَيْدِ الْكافِرِينَ (١٨))
[الأنفال : ١٧ ، ١٨]
الإشارة واضحة إلى الفعل الإلهي الذي يتم بواسطة الفعل البشري ، وكون الأخير آلة محركها الحق ، وكنا بينا الدور الإلهي عن طريق الصفات الإلهية ، ومنها القدرة التي هي أساس تحريك عالم الذر أصلا ، وهذه القدرة هي المسماة الطاقة في العصر الحديث ، وقد ثبت أنها هي التي تحدث الحركة ، ويمكن أن تسمى السبب الأول لكل تغيير أو تبدل ، وتستطيع الطاقة أن تتحول إلى مادة وإلى حرارة ونور ، كما تحدثت العلماء والمعاصرون عن نظرية الانفلاق الكبير العلمية التي تقول بانفجار الكتلة السديمية الأولى في فجر التكوين ، وهي الكتلة المؤلفة من تكثف الطاقة اللطيفة وذراتها في الفراغ ، وهكذا يكون كل خلق طاقة ومادة أي روحا ومادة ، فالطاقة هي روح المادة.
وكنا قد عالجنا موضوع تحويل الفكرة إلى الفعل لدى الإنسان في كتابينا «فتح الوجود» و «الإنسان الكامل» ، وبينا أنه لا بد من وسيط محرك هو الذي يحول الفكر إلى عمل ، وهذا الوسيط هو الذي أشار إليه سبحانه في الآية قائلا : (وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلكِنَّ اللهَ رَمى).
وما دمنا بصدد الحديث عن الحركة والتحريك ، وبعد الرجوع إلى دائرة الأسماء الوجودية فإننا نقول إن الجسم الكلي المسمى في الفلسفة الهيولى أو المادة الخام ما برز إلا بعد تكثيف الذر ، ثم ظلت الذرات تعمل عملها فظهر التكثف بظهور الجماد ، ثم تحرك التكثف بتحرك النبات والحيوان ومنه الإنسان ، فالمكاشفون رأوا الله كشفا إنه المحرك ، وسبب التحريك هذا هو موضوع رد الغزالي الشهير على رابطة العلية بين العلة والمعلول.
يكفي أن تراقب الطير ، وكيف يبني عشه ، ويضع بيضه في وقت معلوم ، ثم يحضن هذا البيض أياما معدودات معلومات ، حتى إذا فقسها شرع في إطعام الفراخ ، حتى إذا كبرت بدأ يعملها الطيران ، حتى إذا أتمت تعليمها هجرت الآباء الصغار لتعيد بناء عش جديد والعملية تفسرها العلماء بالقانون الطبيعي ، وتقول إنها من صنع الطبيعة ، ولما كانت الطبيعة لا عاقلة ، وما نراه هو نتاج عقل مخطط محكم ، فالأولى الرجوع إلى قاعدة عقلية للوجود هي ما سماها الفلاسفة القدامى العقل الفعال ، والذي ثبت بعد الدراسات النقدية الجديدة للفلسفة القديمة بأنه هو الله أو الوسيط الإلهي.