١٩ ، ٢١ ـ (إِنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جاءَكُمُ الْفَتْحُ وَإِنْ تَنْتَهُوا فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَإِنْ تَعُودُوا نَعُدْ وَلَنْ تُغْنِيَ عَنْكُمْ فِئَتُكُمْ شَيْئاً وَلَوْ كَثُرَتْ وَأَنَّ اللهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ (١٩) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَرَسُولَهُ وَلا تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ (٢٠) وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ قالُوا سَمِعْنا وَهُمْ لا يَسْمَعُونَ (٢١))
[الأنفال : ١٩ ، ٢١]
الفتح اليقين ، قال صلىاللهعليهوسلم : (تعلموا اليقين كما تعلموا القرآن حتى تعرفوه ، فإني أتعلمه) ، فالناس درجات وأعلاهم درجة المقربون المؤهلون لتلقي أنوار الفتوحات الفياضة التي أهلت ابن عربي لكتابة «الفتوحات المكية» ، والغزالي لكتابة «إحياء علوم الدين».
والآيات تدعوا المؤمنين إلى هذا الفتح المبين ، وتربأ بالمؤمن عن الوقوف عند حدود الجنان كما قال البسطامي : لله عباد لو بدت لهم الجنة بزينتها لضجوا منها كما يضج أهل النار من النار.
٢٢ ، ٢٣ ـ (إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لا يَعْقِلُونَ (٢٢) وَلَوْ عَلِمَ اللهُ فِيهِمْ خَيْراً لَأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ (٢٣))
[الأنفال : ٢٢ ، ٢٣]
الدابة النفس الحيوانية ذات التعلق بالمادة ، ولا وجود لها من دونها ، وصنف الحق الدواب درجات ، وجعل أقلها منزلة ما كان منها صما وبكما ، وقال سبحانه في موضع آخر واصفا هؤلاء : (أُولئِكَ كَالْأَنْعامِ بَلْ هُمْ أَضَلُ) [الأعراف : ١٧٩] ، وقال أيضا : (فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ) [الأعراف : ١٧٦] ، فالإنسان إن لم يحقق الغاية من خلقه انحط إلى درجة البهائم بل سفلها أيضا.
٢٤ ، ٢٥ ـ (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذا دَعاكُمْ لِما يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (٢٤) وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقابِ (٢٥))
[الأنفال : ٢٤ ، ٢٥]
الحيلولة بين المرء وقلبه هي ما أشار إليها صلىاللهعليهوسلم بقوله : (القلب بين إصبعين من أصابع الرحمن يقلبه كيف يشاء) ، فالخواطر ملكه سبحانه وجنده ، والقلب مستودعه ، وهو فيه فعال لما يشاء ، ولهذا سمي الإنسان عبدا.
وقوله : (بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ) يعني أن الإنسان غير قلبه ، وأنه الفكر ماش على قدميه ، والفكر هنا غريزة يتهيأ بها درك العلوم أو كما قال الفارابي : هيئة ما في مادة ما معدة لتقبل رسوم المعقولات ، أما القلب فهو اللطيفة الإلهية المودعة في القالب لتكون مجال فعل الله ونشاطه.