الحقيقة ، وهذا ما فعلته الصوفية ، ونهجوه ، واشترطوه ، ومن قبلهم كانت دعوة الأنبياء جميعا شبيهة بدعوة كانط وسابقة على هذه الدعوة إلى تطهير القلب أولا ، لكي يصبح أهلا لإشراق أنوار الحقيقة فيه.
وقوله : (أَجَعَلْتُمْ سِقايَةَ الْحاجِّ وَعِمارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ) إشارة إلى أن السقاية وعمارة المسجد هما خدمة العالم الخارجي ، في حين أن التوجه إلى عالم الباطن والذات بسلوك طريق الجهاد والتضحية بالنفس والمال هو الأصل وله الجزاء الأوفى.
٢٠ ـ (الَّذِينَ آمَنُوا وَهاجَرُوا وَجاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللهِ بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِنْدَ اللهِ وَأُولئِكَ هُمُ الْفائِزُونَ (٢٠))
[التوبة : ٢٠]
المال العلوم المحصلة عن طريق النظر الفكري ، والأنفس جمع نفس ، أي النفوس الجزئية ، أي تقديم الأنية إلى مالكها الأنا الكلية ، وهذا ما فعله إبراهيم لما دعي إلى التضحية بولده ، والولد جزء من النفس وقطعة من الكبد.
٢١ ، ٢٢ ـ (يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُمْ بِرَحْمَةٍ مِنْهُ وَرِضْوانٍ وَجَنَّاتٍ لَهُمْ فِيها نَعِيمٌ مُقِيمٌ (٢١) خالِدِينَ فِيها أَبَداً إِنَّ اللهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ (٢٢))
[التوبة : ٢١ ، ٢٢]
الرضوان الرضا ، وهو مقام من مقامات الصوفية ، وجوهره قبول الخير والشر منه تعالى قضاء وقدرا ، مع الصبر على المقدور ، وهذا ما يميز العارف عن الناس جميعا ، إذ هو وحده الأصبر على المقدور ، والفارق بين الثنوية والموحدين أن الثنوية تجعل للوجود إلهين إله النور والخير وإله الظلمة والشر ، وتجد معظم الناس في هذه الثنوية مدرجين ، وتحتها منضوين ، ولا يعلمون ، إذ يجعلون لله شريكا في الملك وهو الشر ، حاشاه سبحانه أن يكون معه إله آخر يشاركه في وجوده.
٢٣ ، ٢٤ ـ (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا آباءَكُمْ وَإِخْوانَكُمْ أَوْلِياءَ إِنِ اسْتَحَبُّوا الْكُفْرَ عَلَى الْإِيمانِ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (٢٣) قُلْ إِنْ كانَ آباؤُكُمْ وَأَبْناؤُكُمْ وَإِخْوانُكُمْ وَأَزْواجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوالٌ اقْتَرَفْتُمُوها وَتِجارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسادَها وَمَساكِنُ تَرْضَوْنَها أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ وَجِهادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللهُ بِأَمْرِهِ وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ (٢٤))
[التوبة : ٢٣ ، ٢٤]
شعار المسلمين المؤمنين ما جاء في سورة «الكافرون» وفيها قال سبحانه : (قُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ (١) لا أَعْبُدُ ما تَعْبُدُونَ (٢) وَلا أَنْتُمْ عابِدُونَ ما أَعْبُدُ (٣) وَلا أَنا عابِدٌ ما عَبَدْتُّمْ (٤) وَلا أَنْتُمْ عابِدُونَ ما أَعْبُدُ (٥) لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ (٦))