٣٠ ـ (وَقالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللهِ وَقالَتِ النَّصارى الْمَسِيحُ ابْنُ اللهِ ذلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْواهِهِمْ يُضاهِؤُنَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قاتَلَهُمُ اللهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ (٣٠))
[التوبة : ٣٠]
قضية الأبوة الإلهية من القضايا التي كفر بسببها اليهود والنصارى ذلك لأن الله نور محض ، وما علم التوحيد من ألفه إلى يائه إلا محاولة لتعريف هذا النور الشفيف اللطيف الذي سماه الغزالي النور المعنوي ، وهذا النور يلد العالم الخارجي بمعنى صدور شيء عن شيء أو خروجه منه ، وضرب أفلوطين ، ومن بعده ابن عربي ، الشمس وأشعتها الصادرة عنها مثلا لهذا الصدور ، وحتى هذا المثل وقفت النقاد منه موقفا سلبيا ، إذ قالوا إن المثل حسي ، وتمثيل الصدور الإلهي لا ينطبق عليه ، ولما كانت اللغة والكلمات تصويرا لأشياء حسية ، مع مراعاة إنتقالها إلى التجريد المعنوي ، كان لا بد من اعتماد تشابيه حسية يخلص منها إلى المعنى ... والله سبحانه كله معنى وعقل ونور.
أما أن يلد الله ولدا ، أو أن يكون الله المسيح نفسه ، فهذا منطق مرفوض ، لأن كل ظاهر له بالعالم الحسي صلة ، فالمسيح صورة وجسد ، وهو يأكل ويشرب وينام ويحتاج إلى كل ما يحتاجه الإنسان ، فكيف يكون المسيح ابن الله أو الله نفسه؟
أما أن يكون المسيح ظهور الله ، كما قال عباس محمود العقاد إن الله قد ظهر في المسيح في صورة جميلة ، أو أن لا تقول النصارى بالأقانيم الثلاثة ، وأن يكون كل ما في الوجود هو الله ظاهرا وباطنا كما قال ابن عربي ، فهذا مقبول ولا يقتضي الكفر.
فالوجود الحق له سبحانه ، وللبشر الظهور فقط ، وهم ممثلو عالم الإمكان ، فقراء إلى الوجود الحق وإلى قواه ودعائمه وأنواره ، وهم من دونه عدم محض ، وهم به عدم متحرك. قال جلال الدين الرومي لست من جنس ملك الملوك ، فما أبعدني عن ذلك ، ولكني مستضيء بنور من تجليه.
٣١ ، ٣٣ ـ (اتَّخَذُوا أَحْبارَهُمْ وَرُهْبانَهُمْ أَرْباباً مِنْ دُونِ اللهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَما أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا إِلهاً واحِداً لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ سُبْحانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ (٣١) يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِؤُا نُورَ اللهِ بِأَفْواهِهِمْ وَيَأْبَى اللهُ إِلاَّ أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ (٣٢) هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ (٣٣))
[التوبة : ٣١ ، ٣٣]
اتخاذ الأحبار والرهبان أربابا من دون الله كفر وذلك بالرجوع إلى منطق الآية السابقة القاضي بأن لا وجود إلا الله ، وأن الأحبار والرهبان صور ، وأن اعتماد الصور شرك بل كفر