أَذِنْتَ لَهُمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَتَعْلَمَ الْكاذِبِينَ (٤٣) لا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ يُجاهِدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ وَاللهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ (٤٤))
[التوبة : ٤٢ ، ٤٤]
لا يطيق الهجرة الحقة إلا المؤمنون الصابرون المجاهدون الخاشعون والذين لا يجعلون مع الله إلها آخر ، والذين باعوا الله أنفسهم ، وما بخلوا بشيء من عندياتهم ... وهجرة كهذه ، يخرج الإنسان منها عاريا من كل شيء ، ليست سهلة ، وخاصة بالنسبة إلى الذين ظلوا متمسكين بالأنا وحبائلها.
وقوله : (يُهْلِكُونَ أَنْفُسَهُمْ) [التّوبة : ال] يعني أن كل مستمسك بالأنا ، لم يبع الله نفسه وماله ، فهو هالك لا محالة ، لأن التمسك بالفرع من دون الأصل والاعتماد على النفس من دون الله ، يؤدي إلى التهلكة ، وكيف لا ومصير الأجزاء إلى الكل؟ فمن لم يلق نفسه في يم الكلي لا تكتب له النجاة رغم أن الظاهر أن الجهاد مشقة بل هو ضرب من الجنون ، فالله أبعد الإنسان عنه ليقربه بعد ذلك منه ، وجعل الجهاد والتضحية بالنفس ضريبة العودة ، فالحياة الخالدة للمجاهدين الشهداء الذين صاروا إلى جنة نعيم ، ثم فازوا بجنة القرب حيث يقرب الإنسان فيها من الله نجيا.
٤٥ ، ٤٦ ـ (إِنَّما يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَارْتابَتْ قُلُوبُهُمْ فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ (٤٥) وَلَوْ أَرادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً وَلكِنْ كَرِهَ اللهُ انْبِعاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقاعِدِينَ (٤٦))
[التوبة : ٤٥ ، ٤٦]
أصل الجهاد الرضا به ، ولا يرضى بالجهاد إلا من كان أصلا من القبضة التي هي من أهل السعادة والقرب ، والله بحكم التفريق بين القبضتين عالم مسبقا بأصحاب جهنم وأصحاب الجنة ، وعلمه الأزلي هذا بخلقه هو الذي يقتضي عملا من نوع خاص ، فمن كان من أصحاب النار يسر لعمل أهل النار حتى يدخل النار.
٤٧ ، ٥٠ ـ (لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ ما زادُوكُمْ إِلاَّ خَبالاً وَلَأَوْضَعُوا خِلالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ وَاللهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ (٤٧) لَقَدِ ابْتَغَوُا الْفِتْنَةَ مِنْ قَبْلُ وَقَلَّبُوا لَكَ الْأُمُورَ حَتَّى جاءَ الْحَقُّ وَظَهَرَ أَمْرُ اللهِ وَهُمْ كارِهُونَ (٤٨) وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ ائْذَنْ لِي وَلا تَفْتِنِّي أَلا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكافِرِينَ (٤٩) إِنْ تُصِبْكَ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكَ مُصِيبَةٌ يَقُولُوا قَدْ أَخَذْنا أَمْرَنا مِنْ قَبْلُ وَيَتَوَلَّوْا وَهُمْ فَرِحُونَ (٥٠))
[التوبة : ٤٧ ، ٥٠]
الإشارة إلى الدور الذي يلعبه خاطر الشك والوسوسة في القلب ، فلو لا أن الله يحمي عبده هذا الخاطر لظل العبد يتخبط ، ولفتن من قبل خاطر البعد الذي لا يبغي إلا إبعاده عن الله.