٥١ ـ (قُلْ لَنْ يُصِيبَنا إِلاَّ ما كَتَبَ اللهُ لَنا هُوَ مَوْلانا وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (٥١))
[التوبة : ٥١]
التوكل من مقامات الصوفية ، ومعناه التيقن بأن الله هو الباعث والمحرك والفاعل ، وأن ما خرج من فعل هو تفصيل للمطوي من القدر ، فلا جديد بالنسبة إلى الله تحت الشمس ، وهو العليم بما مضى وبالحاضر وبما هو آت.
هذا الإيمان القدري هو الذي يجعل المؤمن في راحة ، قد علم أولا مقعده من الله ، ثم لبى الله داعي الجهاد ، وهو راض بالنتيجة عالما علم اليقين أنه في مقعد صدق عند مليك مقتدر ، وأن هذه الدار دار الغرور ، وأن موعده الجنة.
والتوكل باب عريض يلج الناس منه فرقا شتى ... وتعتقد العامة أن الإنسان يسأل ربه شيئا ، ويتمنى عليه الأماني ، ويقدم بين يديه الأضاحي والتضحيات من أجل الفوز بعشرة أمثال الحسنة كما جاء في كتاب الله ، فإذا جاءت النتيجة مناقضة لما يريد ارتاب بل عجب بل شك وأنكر ، وهذا توكل مرفوض ، لأن الله لا يتوجب عليه شيء ، والمتوكل من هذا الطراز هو ممن يصدق فيه قوله تعالى : (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللهَ عَلى حَرْفٍ فَإِنْ أَصابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيا وَالْآخِرَةَ ذلِكَ هُوَ الْخُسْرانُ الْمُبِينُ).
وهناك توكل من نوع التسليم ، وهو الإيمان بالكف عن العمل إيمانا بأن الله القادر على كل شيء يكون هو الفاعل والعوض عن عمل العبد ، وهو توكل موفوض أيضا لأن مجال الاقتدار الإلهي هو الفعل العبدي لا التنزل من السماء بغير أسباب مادية كما تعتقد العامة ، فما يفعل العبد هو وسيلة الفعل الإلهي ، ولا يعي هذه الحقيقة إلا العالمون.
فالإنسان مدعو إلى العمل وإلى التوكل على الله ، كما أن عليه أن يهيئ الأسباب اللازمة كقوله تعالى : (وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ) [الأنفال : ٦٠] ، حتى إذا جاءت النتيجة كان على الإنسان قبولها سلبا كانت أم إيجابا ، له أو عليه ، لأن النتيجة كائنة ما كانت هي نتيجة إلهية ومادام الفعل ، أي فعل ، إلهيا أصلا ، ولله حكمة تدق عن الأفهام ، وغايته لا تحصر ولا يحيط بها بشر ، فما تراه خيرا قد يكون شرا ، وما تراه شرا قد يكون خيرا ، والله يعلم والناس لا يعلمون ، وقال ابن عربي : من العصمة أن لا تجد.
فالتوكل السعي مع قبول حكم القضاء والقدر خيرا ، وشرا من الله تعالى.
٥٢ ، ٥٦ ـ (قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنا إِلاَّ إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ وَنَحْنُ نَتَرَبَّصُ بِكُمْ أَنْ يُصِيبَكُمُ اللهُ بِعَذابٍ مِنْ عِنْدِهِ أَوْ بِأَيْدِينا فَتَرَبَّصُوا إِنَّا مَعَكُمْ مُتَرَبِّصُونَ (٥٢) قُلْ أَنْفِقُوا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً لَنْ