أولياء الله تجسيد كلمته القديمة التي كان آدم أول تجسيد لها ، ثم الأكمل فالأكمل من الأنبياء والأولياء ، فالولي اسم الله العليم ، وإذا قارب الولي الأربعين رأى الرؤيا الصالحة التي هي إيذان بحلول ليلة القدر ، وفيها يرى الولي قدره عند الله ... ومن علمه بقدره ، وبأنه ظل للصورة الأزلية القديمة الحية القيومية والتي ترعاه وتحفظه ، ولعلم الولي بمدخله ، ومخرجه ، وبأنه محفوظ من خاطر النفس والوسوسة ، وبأن الله مبلغ عبده مأمنه ، ومقربه منه ، فإن الولي لا يعود يخاف أو يحزن ، كما أن لياليه تصير كلها قدرا حافلة بالرؤى الصالحة الملهمة المعلمة الصادقة. وهذه الرؤى هي ما سمتها الآية البشرى في الحياة الدنيا.
٦٥ ـ (وَلا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ إِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (٦٥))
[يونس : ٦٥]
العزة القوة ، والعزيز المنيع الذي لا يدرك. واتصاف العزة الإلهية بالجمعية إشارة إلى أن الله حاصل كل قوى العالم ، وأن هذه القوى هي منه أصلا ورفدا وقيومية ومددا.
٦٦ ـ (أَلا إِنَّ لِلَّهِ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَما يَتَّبِعُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ شُرَكاءَ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ (٦٦))
[يونس : ٦٦]
الشركاء إشارة إلى التعينات الظاهرة ، فكل الناس سوى الموحدين ينظرون إلى الوجوه فيظنون أن لها الفعل والأمر والمشيئة والإرادة والتدبير. والموحد وحده هو الذي يرى الله الظاهر بالوجوه المتعينة ، قال عبد الكريم الجيلي : الخلق حجابك عن نفسك ، ونفسك حجابك عن ربك ، مادمت ترى الخلق لا ترى نفسك ، ومادمت ترى نفسك لا ترى ربك.
٦٧ ، ٧٠ ـ (هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهارَ مُبْصِراً إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ (٦٧) قالُوا اتَّخَذَ اللهُ وَلَداً سُبْحانَهُ هُوَ الْغَنِيُّ لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ إِنْ عِنْدَكُمْ مِنْ سُلْطانٍ بِهذا أَتَقُولُونَ عَلَى اللهِ ما لا تَعْلَمُونَ (٦٨) قُلْ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللهِ الْكَذِبَ لا يُفْلِحُونَ (٦٩) مَتاعٌ فِي الدُّنْيا ثُمَّ إِلَيْنا مَرْجِعُهُمْ ثُمَّ نُذِيقُهُمُ الْعَذابَ الشَّدِيدَ بِما كانُوا يَكْفُرُونَ (٧٠))
[يونس : ٦٧ ، ٧٠]
الليل الروح وهو هنا بمثابة الظل بالنسبة إلى الإنسان. والسكن في الليل سكن إلى الروح وغشيان عوالم الرؤى والمنامات الصادقة ، والليل راحة للأعضاء والحواس ، ومنها الفكر الذي يستريح في النوم ، ويبقى الروح أو روح الروح هو الساهر على الإنسان لا تأخذه سنة ولا نوم. فكل نشاطات الجسم خلال النوم ، ومنها استمرار تمثل الغذاء وترميم الخلايا التالفة ، أي كل ما له علاقة بالنفس النباتية التي وصفت بأنها جاذبة ما سكة هاضمة دافعة ثم أخيرا مربية ، هذه العلاقة الروح الفاعل هو المسؤول عنها يمدها بالقوى والنشاط.